حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: " ﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] قَالَ: كَانَتْ لُغَةً فِي الْأَنْصَارِ " حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ
وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: " فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] قَالَ: إِنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَانُوا إِذَا حَدَّثَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَقُولُ أَحَدُهُمْ لِصَاحِبِهِ: أَرْعِنِي سَمْعَكَ؛ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ "
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «رَاعِنَا، قَوْلُ السَّاخِرِ، فَنَهَاهُمْ أَنْ يَسْخَرُوا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ كَلَامُ يَهُودِيٍّ مِنَ الْيَهُودِ بِعَيْنِهِ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ، كَانَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ عَلَى وَجْهِ السَّبِّ لَهُ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْهُ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ قِيلِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " ﴿يَا أَيُّهَا -[٣٧٨]- الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو قَيْنُقَاعَ كَانَ يُدْعَى رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ السَّائِبِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ ابْنُ التَّابُوتِ لَيْسَ ابْنُ السَّائِبِ؛ كَانَ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا لَقِيَهُ فَكَلَّمَهُ قَالَ: أَرْعِنِي سَمْعَكَ وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ. فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَحْسَبُونَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانَتْ تُفَخَّمُ بِهَذَا، فَكَانَ نَاسٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ، كَقَوْلِكَ اسْمَعْ غَيْرَ صَاغِرٍ، وَهِيَ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ [النساء: ٤٦] يَقُولُ: إِنَّمَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ [النساء: ٤٦] ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: لَا تَقُولُوا رَاعِنَا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي نَهْيِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا لِنَبِيِّهِ: رَاعِنَا، أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا كَلِمَةٌ كَرِهَهَا اللَّهُ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوهَا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَظِيرَ الَّذِي ذُكِرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَا تَقُولُوا لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ وَلَكِنْ قُولُوا الْحَبَلَةَ)، وَ (لَا تَقُولُوا عَبْدِي وَلَكِنْ قُولُوا فَتَايَ) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَكُونَانِ مُسْتَعْمَلَتَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَتَأْتِي الْكَرَاهَةُ أَوِ النَّهْيُ بِاسْتِعْمَالِ إِحْدَاهُمَا وَاخْتِيَارِ الْأُخْرَى عَلَيْهَا فِي الْمُخَاطَبَاتِ. -[٣٧٩]- فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنَّا قَدْ عَلِمْنَا مَعْنَى نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِنَبِ أَنْ يُقَالَ لَهُ كَرْمٌ، وَفِي الْعَبْدِ أَنْ يُقَالَ لَهُ عَبْدٌ، فَمَا الْمَعْنَى الَّذِي فِي قَوْلِهِ: ﴿رَاعِنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] حِينَئِذٍ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ كَانَ النَّهْيُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ يَقُولُوهُ، حَتَّى أَمَرَهُمْ أَنْ يُؤْثِرُوا قَوْلَهُ: ﴿انْظُرْنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] قِيلَ: الَّذِي فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، نَظِيرُ الَّذِي فِي قَوْلِ الْقَائِلِ الْكَرْمُ لِلْعِنَبٍ، وَالْعَبْدُ لِلْمَمْلُوكِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عَبْدٌ، لِجَمِيعِ عِبَادِ اللَّهِ، فَكَرِهَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَافَ بَعْضُ عِبَادِ اللَّهِ، بِمَعْنَى الْعُبُّودِيَّةِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ، وَأَمَرَ أَنْ يُضَافَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي يُضَافُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيُقَالَ: فَتَايَ. وَكَذَلِكَ وَجْهُ نَهْيِهِ فِي الْعِنَبِ أَنْ يُقَالَ كَرْمًا خَوْفًا مِنْ تَوَهُّمِ وَصْفِهِ بِالْكَرَمِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسَكَّنَةً، فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُسَكِّنُ بَعْضَ الْحَرَكَاتِ إِذَا تَتَابَعَتْ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ، فَكَرِهَ أَنْ يَتَّصِفَ بِذَلِكَ الْعِنَبُ. فَكَذَلِكَ نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا «رَاعِنَا»، لَمَّا كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ «رَاعِنَا» مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى احْفَظْنَا وَنَحْفَظُكَ وَارْقُبْنَا وَنَرْقُبُكَ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: رَعَاكَ -[٣٨٠]- اللَّهُ بِمَعْنَى حَفِظَكَ اللَّهُ وَكَلَأَكَ. وَمُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَرْعِنَا سَمْعَكَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَرْعَيْتُ سَمْعِي إِرْعَاءً. أَوْ رَاعَيْتُهُ سَمْعِي رِعَاءً أَوْ مُرَاعَاةً، بِمَعْنَى: فَرَّغْتُهُ لِسَمَاعِ كَلَامِهِ. كَمَا قَالَ الْأَعْشَى مَيْمُونُ بْنُ قَيْسٍ:
[البحر البسيط]
يَرْعَى إِلَى قَوْلِ سَادَاتِ الرِّجَالِ إِذَا | أَبَدَوْا لَهُ الْحَزْمَ أَوْ مَا شَاءَهُ ابْتَدَعَا |