لَمْ يُنْسِ نَبِيَّهُ شَيْئًا مِمَّا آتَاهُ مِنَ الْعِلْمِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا قَوْلٌ يَشْهَدُ عَلَى بُطُولِهِ وَفَسَادِهِ الْأَخْبَارُ الْمُتَظَاهِرَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: " أَنَّ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَرَأْنَا بِهِمْ وَفِيهِمْ كِتَابًا: «بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا» ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ " فَالَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ: «لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ» ثُمَّ رُفِعَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَطُولُ بِإِحْصَائِهَا الْكِتَابُ. وَغَيْرُ مُسْتَحِيلٍ فِي فِطْرَةِ ذِي عَقْلٍ صَحِيحٍ وَلَا بِحُجَّةٍ خَبَرٍ أَنْ يُنْسِيَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ مَا قَدْ كَانَ أَنْزَلَهُ إِلَيْهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الإسراء: ٨٦] فَإِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَذَهَبَ بِجَمِيعِهِ، فَلَمْ يَذْهَبْ -[٣٩٩]- بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ؛ بَلْ إِنَّمَا ذَهَبَ بِمَا لَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا نُسِخَ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ بِالْعِبَادِ إِلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُنْسِي نَبِيَّهُ مِنْهُ مَا شَاءَ، فَالَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ. فَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ طَلَبَ اتِّسَاقِ الْكَلَامِ عَلَى نِظَامٍ فِي الْمَعْنَى، لَا إِنْكَارٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ كَانَ أَنْسَى نَبِيَّهُ بَعْضَ مَا نَسَخَ مِنْ وَحْيهِ إِلَيْهِ وَتَنْزِيلِهِ