وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا: مَا نُبَدِّلُ مِنْ حُكْمِ آيَةٍ فَنُغَيِّرُهُ أَوْ نَتْرُكُ تَبْدِيلَهُ فَنُقِرُّهُ بِحَالِهِ، نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا لَكُمْ مِنْ حُكْمِ الْآيَةِ الَّتِي نَسَخْنَا فَغَيَّرْنَا حُكْمَهَا، إِمَّا فِي الْعَاجِلِ لِخِفَّتِهِ عَلَيْكُمْ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وَضْعُ فَرْضٍ كَانَ عَلَيْكُمْ فَأُسْقِطَ ثِقَلُهُ عَنْكُمْ، وَذَلِكَ كَالَّذِي كَانَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ فَرْضِ قِيَامِ اللَّيْلِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فَوُضِعَ عَنْهُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ فِي عَاجِلِهِمْ لِسُقُوطِ عِبْءِ ذَلِكَ وَثِقَلِ حِمْلِهِ عَنْهُمْ؛ وَإِمَّا فِي الْآجِلِ لِعِظَمِ ثَوَابِهِ مِنْ أَجْلِ مَشَقَّةِ حَمْلِهِ وَثِقَلِ عِبْئِهِ عَلَى الْأَبْدَانِ، كَالَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ صِيَامِ أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فِي السَّنَةِ، فَنُسِخَ وَفُرِضَ عَلَيْهِمْ مَكَانَهُ صَوْمُ شَهْرٍ كَامِلٍ فِي كُلِّ حَوْلٍ، فَكَانَ فَرْضُ صَوْمِ شَهْرٍ كَامِلٍ كُلَّ سَنَةٍ أَثْقَلُ عَلَى الْأَبْدَانِ مِنْ صِيَامِ أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ. غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَالثَّوَابُ عَلَيْهِ أَجْزَلُ وَالْأَجْرُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ، لِفَضْلِ مَشَقَّتِهِ عَلَى مُكَلِّفِيهِ مِنْ صَوْمِ أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، فَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَبْدَانِ أَشَقُّ فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الْأَوَّلِ فِي الْآجِلِ لِفَضْلِ ثَوَابِهِ وَعِظَمِ أَجْرِهِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ لِصَوْمِ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ. فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا﴾ [البقرة: ١٠٦] لِأَنَّهُ إِمَّا بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْعَاجِلِ لِخِفَّتِهِ عَلَى مَنْ كَلَّفَهُ، أَوْ فِي الْآجِلِ لِعِظَمِ ثَوَابِهِ وَكَثْرَةِ أَجْرِهِ. أَوْ يَكُونُ مِثْلَهَا فِي الْمَشَقَّةِ عَلَى الْبَدَنِ وَاسْتِوَاءِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ عَلَيْهِ، نَظِيرَ نَسْخِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَرْضَ الصَّلَاةِ شَطْرَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى فَرْضِهَا شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَالتَّوَجُّهُ شَطْرَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِنْ خَالَفَ التَّوَجُّهَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ، فَكُلْفَةُ التَّوَجُّهِ شَطْرَ أَيِّهِمَا تَوَجَّهَ


الصفحة التالية