يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ لَكُمْ وَلِنَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ وَأَنَّهُ نَبِيٌّ إِلَيْهِمْ وَإِلَى خَلْقِي كَافَّةً. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [البقرة: ١٠٩] كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: " فِي قَوْلِهِ: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [البقرة: ١٠٩] هُوَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ "
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ: " ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [البقرة: ١٠٩] قَالَ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ "
وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَأَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ مِنْ أَشَدِّ يَهُودَ لِلْعَرَبِ حَسَدًا، إِذْ خَصَّهُمُ اللَّهُ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَا جَاهِدَيْنِ فِي رَدِّ النَّاسِ عَنِ الْإِسْلَامِ بِمَا اسْتَطَاعَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٠٩] الْآيَةَ " -[٤٢٠]- وَلَيْسَ لِقَوْلِ الْقَائِلِ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [البقرة: ١٠٩] كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَعْنًى مَفْهُومٌ؛ لِأَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَاحِدٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَوَدُّونَ لَوْ يَرُدُّونَ الْمُؤْمِنِينَ كُفَّارًا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ. وَالْوَاحِدُ لَا يُقَالُ لَهُ كَثِيرٌ بِمَعْنَى الْكَثْرَةِ فِي الْعَدَدِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلُ ذَلِكَ أَرَادَ بِوَجْهِ الْكَثْرَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا مَنْ وَصَفَهُ بِهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَثْرَةَ فِي الْعِزِّ وَرِفْعَةَ الْمَنْزِلَةِ فِي قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ فِي النَّاسِ كَثِيرٌ، يُرَادُ بِهِ كَثْرَةُ الْمَنْزِلَةِ وَالْقَدْرِ. فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ وَصَفَّهُمْ بِصِفَةِ الْجَمَاعَةِ، فَقَالَ: ﴿لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا﴾ [البقرة: ١٠٩] فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَنَى الْكَثْرَةَ فِي الْعَدَدِ. أَوْ يَكُونُ ظَنَّ أَنَّهُ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يَخْرُجُ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْخَبَرِ عَنْهُ الْوَاحِدُ، نَظِيرَ مَا قُلْنَا آنِفًا فِي بَيْتِ جَمِيلٍ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَيْضًا خَطَأً، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ إِذَا كَانَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى فَلَا بُدَّ مِنْ دَلَالَةٍ فِيهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَلَا دَلَالَةَ تَدُلُّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [البقرة: ١٠٩] أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَاحِدٌ دُونَ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ، فَيَجُوزُ صَرْفُ تَأْوِيلِ الْآيَةِ إِلَى ذَلِكَ وَإِحَالَةُ دَلِيلِ ظَاهِرِهِ إِلَى غَيْرِ الْغَالِبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ


الصفحة التالية
Icon