قَضَى فِيهِمْ، وَكَالَّذِي خَسَفَ بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ وَقَضَائِهِ فِيمَنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ خَلْقِهِ فِي حَالِ أَمْرِهِ الْمَحْتُومِ عَلَيْهِ. فَوَجَّهَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْلِ قَوْلَهُ: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧] إِلَى الْخُصُوصِ دُونَ الْعُمُومِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْآيَةُ عَامٌّ ظَاهِرُهَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحِيلَهَا إِلَى بَاطِنٍ بِغَيْرِ حُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا هُوَ كَائِنٌ قَبْلَ كَوْنِهِ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَتِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ وَهِيَ كَائِنَةٌ لِعِلْمِهِ بِهَا قَبْلَ كَوْنِهَا، نَظَائِرُ الَّتِي هِيَ مَوْجُودَةٌ، فَجَازَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: كُونِي، وَيَأْمُرَهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ حَالِ الْعَدَمِ إِلَى حَالِ الْوُجُودِ، لِتُصَوَّرَ جَمِيعُهَا لَهُ، وَلِعِلْمِهِ بِهَا فِي حَالِ الْعَدَمِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا ظَاهِرُ عُمُومٍ، فَتَأْوِيلُهَا الْخُصُوصُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ جَائِزٍ إِلَّا لِمَأْمُورٍ عَلَى مَا وَصَفْتُ قَبْلُ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْآيَةُ تَأْوِيلُهَا: وَإِذَا قَضَى أَمْرًا مِنْ إِحْيَاءِ مَيِّتٍ، أَوْ إِمَاتَةِ حَيٍّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يَقُولُ لُحَيٍّ كُنْ مَيِّتًا، أَوْ لَمَيِّتٍ كُنْ حَيًّا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَبَرٌ عَنْ جَمِيعِ مَا يُنْشِئُهُ وَيُكَوِّنُهُ أَنَّهُ إِذَا قَضَاهُ وَخَلَقَهُ وَأَنْشَأَهُ كَانَ وَوُجِدَ. وَلَا قَوْلَ هُنَالِكَ عِنْدَ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ إِلَّا وُجُودَ الْمَخْلُوقِ، وَحُدُوثَ الْمَقْضِيِّ؛ وَقَالُوا: إِنَّمَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧] نَظِيرُ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَالَ فُلَانٌ بِرَأْسِهِ، وَقَالَ بِيَدِهِ؛ إِذَا حَرَّكَ رَأْسَهُ أَوْ أَوْمَأَ بِيَدِهِ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. وَكَمَا قَالَ أَبُو النَّجْمِ:
[البحر الرجز]