حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا جَرِيرٌ، جَمِيعًا، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَّةَ حِينَ افْتَتَحَهَا: «هَذِهِ حَرَمٌ حَرَّمَهَا اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَخَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَوَضَعَ هَذَيْنِ الْأَخْشَبَيْنِ، لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» قَالُوا: فَمَكَّةُ مُنْذُ خُلِقَتْ حَرَمٌ آمِنٌ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ وَعُقُوبَةِ الْجَبَابِرَةِ. قَالُوا: وَقَدْ أَخْبَرَتْ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. قَالُوا: وَلَمْ يَسْأَلْ إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ أَنْ يُؤَمِّنَهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَعُقُوبَةِ الْجَبَابِرَةِ، وَلَكِنَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يُؤَمِّنَ أَهْلَهُ مِنَ الْجُدُوبِ وَالْقُحُوطِ، وَأَنْ يَرْزُقَ سَاكِنَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ، كَمَا أَخْبَرَ رَبُّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ -[٥٤٠]- الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة: ١٢٦]. قَالُوا: وَإِنَّمَا سَأَلَ رَبَّهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَسْكَنَ فِيهِ ذُرِّيَّتَهُ، وَهُوَ غَيْرُ ذِي زَرْعٍ وَلَا ضَرْعٍ، فَاسْتَعَاذَ رَبَّهُ مِنْ أَنْ يُهْلِكَهُمْ بِهَا جُوعًا وَعَطَشًا، فَسَأَلَهُ أَنْ يُؤَمِّنَهُمُ مِمَّا حَذِرَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ. قَالُوا: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ سَأَلَ رَبَّهُ تَحْرِيمَ الْحَرَمِ، وَأَنْ يُؤَمِّنَهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَعُقُوبَةِ جَبَابِرَةِ خَلْقِهِ، وَهُوَ الْقَائِلُ حِينَ حَلَّهُ وَنَزَلَهُ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ [إبراهيم: ٣٧] ؟ قَالُوا: فَلَوْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ هُوَ الَّذِي حَرَّمَ الْحَرَمَ أَوْ سَأَلَ رَبَّهُ تَحْرِيمَهُ لَمَا قَالَ: ﴿عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ [إبراهيم: ٣٧] عِنْدَ نُزُولِهِ بِهِ، وَلَكِنَّهُ حُرِّمَ قَبْلَهُ، وَحُرِّمَ بَعْدَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ الْحَرَمُ حَلَالًا قَبْلَ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ كَسَائِرِ الْبِلَادِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ حَرَامًا بِتَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ إِيَّاهُ، كَمَا كَانَتْ مَدِينَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَالًا قَبْلَ تَحْرِيمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا


الصفحة التالية
Icon