حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، يَقُولُ: " ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا،﴾ [البقرة: ١٢٨]، قَالَ: أَرِنَا مَذَابِحَنَا، " وَقَالَ آخَرُونَ: (وَأَرْنَا مَنَاسِكَنَا) بِتَسْكِينِ الرَّاءِ. وَزَعَمُوا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَعَلِّمْنَا وَدُلَّنَا عَلَيْهَا، لَا أَنَّ مَعْنَاهَا أَرِنَاهَا بِالْأَبْصَارِ. وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ حُطَائِطَ بْنِ يَعْفُرَ أَخِي الْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ:
[البحر الطويل]

أَرِينِي جَوَادًا مَاتَ هُزْلًا لِأَنَّنِي أَرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلَّدَا
يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَرِينِي: دُلِّينِي عَلَيْهِ وَعَرِّفِينِي مَكَانَهُ، وَلَمْ يَعْنِ بِهِ رُؤْيَةَ الْعَيْنِ. وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ رُوِيَتْ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: " ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ [البقرة: ١٢٨] أَخْرِجْهَا لَنَا، عَلِّمْنَاهَا "
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: " لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قَالَ: فَعَلْتُ أَيْ رَبِّ فَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا، أَبْرِزْهَا لَنَا، عَلِّمْنَاهَا. فَبَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ فَحَجَّ بِهِ «-[٥٧٠]- وَالْقَوْلُ وَاحِدٌ، فَمَنْ كَسَرَ الرَّاءَ جَعَلَ عَلَامَةَ الْجَزْمِ سُقُوطَ الْيَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِ الْقَائِلِ أَرِنِيهِ، وَأَقَرَّ الرَّاءَ مَكْسُورَةً كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْجَزْمِ. وَمَنْ سَكَّنَ الرَّاءَ مِنْ» أَرِنَا " تَوَهَّمَ أَنَّ أَعْرَابَ الْحَرْفِ فِي الرَّاءِ فَسَكَّنَهَا فِي الْجَزْمِ كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يَكُ. وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ، أَوْ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ. وَلَا مَعْنَى لِفَرْقِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ فِي ذَلِكَ وَرُؤْيَةِ الْقَلْبِ. وَأَمَّا الْمَنَاسِكُ فَإِنَّهَا جَمْعُ مَنْسَكٍ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُنْسَكُ لِلَّهِ فِيهِ، وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ فِيهِ بِمَا يُرْضِيهِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ إِمَّا بِذِبْحِ ذَبِيحَةٍ لَهُ، وَإِمَّا بِصَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ أَوْ سَعْيٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمَشَاعِرِ الْحَجِّ مَنَاسِكُهُ، لِأَنَّهَا أَمَارَاتٌ وَعَلَامَاتٌ يَعْتَادُهَا النَّاسُ، وَيَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهَا وَأَصْلُ الْمَنْسَكِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمَوْضِعُ الْمُعْتَادُ الَّذِي يَعْتَادُهُ الرَّجُلُ وَيَأْلَفُهُ، يُقَالُ: لِفُلَانٍ مَنْسَكٌ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ يَعْتَادُهُ لَخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؛ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْمَنَاسِكُ مَنَاسِكَ، لِأَنَّهَا تُعْتَادُ وَيُتَرَدَّدُ إِلَيْهَا بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَبِالْأَعْمَالِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى النُّسُكِ: عُبَادَةُ اللَّهِ، وَأَنَّ النَّاسِكَ إِنَّمَا سُمِّيَ نَاسِكًا بِعِبَادَةِ رَبِّهِ، فَتَأَوَّلَ قَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ قَوْلَهُ: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ [البقرة: ١٢٨] وَعَلِّمْنَا عِبَادَتَكَ كَيْفَ نَعْبُدُكَ، وَأَيْنَ نَعْبُدُكَ، وَمَا يُرْضِيكَ عَنَّا فَنَفْعَلَهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا يَحْتَمِلُهُ الْكَلَامُ، فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَعْنَى الْمَنَاسِكِ مَا وَصَفْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهَا مَنَاسِكُ الْحَجِّ الَّتِي -[٥٧١]- ذَكَرْنَا مَعْنَاهَا. وَخَرَجَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَى وَجْهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْهُمَا رَبَّهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُمَا مَسْأَلَةُ رَبِّهِمَا لِأَنْفُسِهِمَا وَذُرِّيَّتِهِمَا الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا ضَمَّا ذُرِّيَّتَهُمَا الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنْفُسِهِمَا صَارَا كَالْمُخْبِرِينَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِتَقَدُّمِ الدُّعَاءِ مِنْهُمَا لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا قَبْلُ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، وَتَأَخُّرِهِ بَعْدُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَىفَأَمَّا الَّذِي فِي أَوَّلِ الْآيَةِ فَقَوْلُهُمَا: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ [البقرة: ١٢٨]. ثُمَّ جَمَعَا أَنْفُسَهُمَا وَالْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ مِنْ ذُرِّيَّتَهُمَا فِي مَسْأَلَتِهِمَا رَبِّهِمَا أَنْ يُرِيَهُمُ مَنَاسِكَهُمْ فَقَالَا: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ [البقرة: ١٢٨]. وَأَمَّا الَّتِي فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٢٩] فَجَعَلَا الْمَسْأَلَةَ لِذُرِّيَّتِهِمَا خَاصَّةً. وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَأَرِهِمْ مَنَاسِكَهُمْ» يَعْنِي بِذَلِكَ: وَأَرِ ذُرِّيَّتَنَا الْمُسْلِمَةَ مَنَاسِكَهُمْ


الصفحة التالية