بُرْهَةٍ مَضَتْ مِنْ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرُّؤْيَةِ، وَإِنِ اسْتُعْمِلَتْ فِي مَوْضِعِ الْعِلْمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ أَنْ يَرَى أَحَدٌ شَيْئًا، فَلَا تُوجِبُ رُؤْيَتُهُ إِيَّاهُ عِلْمًا بِأَنَّهُ قَدْ رَآهُ إِذَا كَانَ صَحِيحَ الْفِطْرَةِ، فَجَازَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أُثْبِتُهُ رُؤْيَةُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ إِثْبَاتُهُ إِيَّاهُ عِلْمًا، وَصَحَّ أَنْ يَدُلَّ بِذِكْرِ الرُّؤْيَةِ عَلَى مَعْنَى الْعِلْمِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. فَلَيْسَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي الرُّؤْيَةِ لِمَا وَصَفْنَا بِجَائِزٍ فِي الْعِلْمِ، فَيَدُلُّ بِذِكْرِ الْخَبَرِ عَنِ الْعِلْمِ عَلَى الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَعْلَمُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَمْ يَرَهَا، وَلَا يَرَاهَا وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَرَى شَيْئًا إِلَّا عَلِمَهُ، كَمَا قَدْ قَدَّمْنَا الْبَيَانَ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ: مَوْجُودٍ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ: عَلِمْتُ كَذَا بِمَعْنَى رَأَيْتُهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَوْجِيهُ مَعَانِي مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَلَامِ إِلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا مِثْلُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ دُونَ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي كَلَامِهَا، فَمَوْجُودٌ فِي كَلَامِهَا «رَأَيْتُ» بِمَعْنَى «عَلِمْتُ»، وَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِهَا «عَلِمْتُ» بِمَعْنَى «رَأَيْتُ»، فَيَجُوزُ تَوْجِيهُ ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: ١٤٣] إِلَى مَعْنَى: إِلَّا لَنَرَى. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا قِيلَ: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: ١٤٣] مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودَ وَأَهْلَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَعْلَمُ الشَّيْءَ قَبْلَ كَوْنِهِ، وَقَالُوا: إِذْ قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ سَيَرْتَدُّونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، إِذَا حُوِّلَتْ قِبْلَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ: ذَلِكَ غَيْرُ كَائِنٍ، أَوْ قَالُوا: ذَلِكَ بَاطِلٌ. فَلَمَّا فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَحَوَّلَ الْقِبْلَةَ، وَكَفَرَ مِنْ أَجْلِ


الصفحة التالية
Icon