حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، " ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] صَلَاتَكُمْ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: " ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] قَالَ: صَلَاتُكُمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ " قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ التَّصْدِيقُ، وَأَنَّ التَّصْدِيقَ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَحْدَهُ وَبِالْفِعْلِ وَحْدَهُ وَبِهِمَا جَمِيعًا؛ فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] عَلَى مَا تَظَاهَرْتُ بِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ أَنَّهُ الصَّلَاةُ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ تَصْدِيقَ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِصَلَاتِكُمُ الَّتِي صَلَّيْتُمُوهَا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَنْ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْكُمْ تَصْدِيقًا لِرَسُولِي، وَاتِّبَاعًا لِأَمْرِي، وَطَاعَةً مِنْكُمْ لِي. قَالَ: وَإِضَاعَتُهُ إِيَّاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَوْ أَضَاعَهُ تَرْكُ إِثَابَةِ أَصْحَابِهِ وَعَامِلِيهِ عَلَيْهِ، فَيَذْهَبُ ضَيَاعًا وَيَصِيرُ بَاطِلًا كَهَيْئَةِ إِضَاعَةِ الرَّجُلِ مَالَهُ، وَذَلِكَ إِهْلَاكُهُ إِيَّاهُ فِيمَا لَا يَعْتَاضُ مِنْهُ عِوَضًا فِي عَاجِلٍ وَلَا آجِلٍ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَبْطُلُ عَمَلُ عَامَلٍ عَمِلَ لَهُ عَمَلًا، وَهُوَ لَهُ طَاعَةٌ فَلَا يُثِيبُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ نُسِخَ ذَلِكَ الْفَرْضُ بَعْدَ عَمَلِ الْعَامِلِ إِيَّاهُ عَلَى مَا كَلَّفَهُ مِنْ عَمَلِهِ. -[٦٥٤]- فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣] فَأَضَافَ الْإِيمَانَ إِلَى الْأَحْيَاءِ الْمُخَاطَبِينَ، وَالْقَوْمُ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ إِنَّمَا كَانُوا أَشْفَقُوا عَلَى إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ قِيلَ: إِنَّ الْقَوْمَ، وَإِنْ كَانُوا أَشْفَقُوا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ أَيْضًا قَدْ كَانُوا مُشْفِقِينَ مِنْ حُبُوطِ ثَوَابِ صَلَاتِهِمُ الَّتِي صَلُّوهَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ التَّحْوِيلِ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَظَنُّوا أَنَّ عَمَلَهُمْ ذَلِكَ قَدْ بَطَلَ وَذَهَبَ ضَيَاعًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَئِذٍ، فَوَجَّهَ الْخِطَابَ بِهَا إِلَى الْأَحْيَاءِ، وَدَخَلَ فِيهِمُ الْمَوْتَى مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ إِذَا اجْتَمَعَ فِي الْخَبَرِ الْمُخَاطَبِ وَالْغَائِبِ أَنْ يُغَلِّبُوا الْمُخَاطَبَ، فَيَدْخُلُ الْغَائِبُ فِي الْخَطَّابِ، فَيَقُولُوا لِرَجُلٍ خَاطِبُوهُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنْهُ، وَعَنْ آخَرَ غَائِبٍ غَيْرِ حَاضِرٍ: فَعَلْنَا بِكُمَا وَصَنَعْنَا بِكُمَا كَهَيْئَةِ خِطَابِهِمْ لَهُمَا وَهُمَا حَاضِرَانِ، وَلَا يَسْتَجِيزُونَ أَنْ يَقُولُوا: فَعَلْنَا بِهِمَا وَهُمْ يُخَاطِبُونَ أَحَدَهُمَا فَيَرُدُّوا الْمُخَاطَبَ إِلَى عِدَادِ الْغَيْبِ


الصفحة التالية
Icon