حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ " كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ﴾ [البقرة: ١٥٨] اللَّهِ " وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ جَعَلَ الطَّوَافَ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، كَمَا جَعَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ شَعَائِرِهِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة: ١٥٨] فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قِيلَ لِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ تَخَوَّفَ بَعْضُهُمُ الطَّوَافَ بِهِمَا مِنْ أَجْلِ الصَّنَمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشَّعْبِيُّ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ أَجْلِ مَا كَانَ مِنْ كَرَاهَتِهِمُ الطَّوَافَ بِهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ. وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة: ١٥٨] الْآيَةَ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِهِ وَضْعَ الْحَرَجِ عَمَّنْ طَافَ بِهِمَا، مِنْ أَجْلِ أَنَّ الطَّوَافَ بِهِمَا كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ بِحَظَرِ اللَّهِ ذَلِكَ ثُمَّ جَعَلَ الطَّوَافَ بِهِمَا رُخْصَةً لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَحْظُرْ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ، ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة: ١٥٨] وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَوْجُهٍ؛ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ تَارِكَ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا تَارِكٌ مِنْ مَنَاسِكِ حَجِّهِ مَا لَا يُجْزِيهِ مِنْهُ غَيْرُ قَضَائِهِ بِعَيْنِهِ، كَمَا لَا -[٧٢١]- يَجْزِي تَارِكُ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ إِلَّا قَضَاؤُهُ بِعَيْنِهِ، وَقَالُوا: هُمَا طَوَافَانِ أَمَرَ اللَّهُ بِأَحَدِهِمَا بِالْبَيْتِ، وَالْآخَرَ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ تَارِكَ الطَّوَافِ بِهِمَا يُجْزِيهِ مِنْ تَرْكِهِ فِدْيَةٌ، وَرَأَوْا أَنَّ حُكْمَ الطَّوَافِ بِهِمَا حُكْمُ رَمْيِ بَعْضِ الْجَمَرَاتِ، وَالْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ، وَطَوَافِ الصَّدْرِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَجْزِي تَارِكَهُ مِنْ تَرْكِهِ فِدْيَةٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ لِقَضَائِهِ بِعَيْنِهِ. وَرَأَى آخَرُونَ أَنَّ الطَّوَافَ بِهِمَا تَطَوُّعٌ، إِنْ فَعَلَهُ صَاحِبُهُ كَانَ مُحْسِنًا، وَإِنْ تَرَكَهُ تَارِكٌ لَمْ يَلْزَمْهُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: إِنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ وَاجِبٌ وَلَا يَجْزِي مِنْهُ فِدْيَةٌ، وَمَنْ تَرَكَهُ فَعَلَيْهِ الْعَوْدَةُ