مَنَاصٍ} [ص: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَثِيرًا أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا رَسُولَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِنَا مِنَ الْحَقِّ ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾ [الأنعام: ٦] يَعْنِي: مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَهُمْ فِي تَكْذِيبِ رُسُلِهِمْ فِيمَا أَتَوْهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿فَنَادَوْا﴾ [ص: ٣] يَقُولُ: فَعُجُّوا إِلَى رَبِّهِمْ وَضَجُّوا وَاسْتَغَاثُوا بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، حِينَ نَزَلَ بِهِمْ بَأْسُ اللَّهِ وَعَايَنُوا بِهِ عَذَابَهُ فِرَارًا مِنْ عِقَابِهِ، وَهَرَبًا مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] يَقُولُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ حِينَ فِرَارٍ وَلَا هَرَبٍ مِنَ الْعَذَابِ بِالتَّوْبَةِ، وَقَدْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ، وَتَابُوا حِينَ لَا تَنْفَعُهُمُ التَّوْبَةُ، وَاسْتَقَالُوا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْإِقَالَةِ وَقَوْلُهُ: ﴿مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] مَفْعَلٍ مِنَ النَّوَصِ، وَالنَّوَصُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: التَّأَخُّرُ، وَالْمَنَاصُ: الْمَفَرُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل]
أَمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى إِذْ نَأَتْكَ تَنُوصُ | فَتَقْصِرُ عَنْهَا خُطْوَةً وَتَبُوصُ |
[البحر الطويل]
إِذَا عَاشَ إِسْحَاقُ وَشَيْخُهُ لَمْ أُبَلْ | فَقِيدًا وَلَمْ يَصْعُبْ عَلَيَّ مَنَاضُ |
وَلَوْ أَشْرَفَتْ مِنْ كِفِّةِ السِّتْرِ عَاطِلًا | لَقُلْتُ غَزَالٌ مَا عَلَيْهِ خُضَاضُ |