وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي فِعْلِ اللَّهِ ذَلِكَ كَالَّذِي وَصَفَ لَذِكْرَى وَمَوْعِظَةً لِأَهْلِ الْعُقُولِ وَالْحُجَا يَتَذَكَّرُونَ بِهِ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ إِحْدَاثُ مَا شَاءَ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْشَاءُ مَا أَرَادَ مِنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ، وَإِحْيَاءُ مَنْ هَلَكَ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِهِ وَإِعَادَتُهُ مِنْ بَعْدِ فَنَائِهِ، كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ فَنَائِهِ، كَالَّذِي فَعَلَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَنْزَلَ عَلَيْهَا مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا الْمَاءَ، فَأَنْبَتَ بِهَا الزَّرْعَ الْمُخْتَلِفَ الْأَلْوَانِ بِقُدْرَتِهِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الزمر: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَمَنْ فَسَحَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِمِعْرَفَتِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَالْإِذْعَانِ لِرُبُوبِيَّتِهِ، وَالْخُضُوعِ لِطَاعَتِهِ ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الزمر: ٢٢] يَقُولُ: فَهُوَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ وَيَقِينٍ، بَتَنْوِيرِ الْحَقِّ فِي قَلْبِهِ، فَهُوَ لِذَلِكَ لِأَمْرِ اللَّهِ مُتَّبِعٌ، وَعَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ مُنْتَهٍ فِيمَا يُرْضِيهِ، كَمَنْ أَقْسَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وَأَخْلَاهُ مِنْ ذِكْرِهِ، وَضَيَّقَهُ عَنِ اسْتِمَاعِ الْحَقِّ، وَاتِّبَاعِ الْهُدَى، وَالْعَمَلِ بِالصَّوَابِ؟ وَتُرِكَ ذِكْرُ الَّذِي أَقْسَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وَجَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ اجْتِزَاءً بِمِعْرَفَةِ السَّامِعِينَ الْمُرَادَ مِنَ الْكَلَامِ، إِذْ ذُكِرَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ، وَجَعَلَ مَكَانَ ذِكْرِ الصِّنْفِ الْآخَرِ الْخَبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٢] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الزمر: ٢٢] " يَعْنِي: كِتَابَ اللَّهِ، هُوَ الْمُؤْمِنُ بِهِ يَأْخُذُ، -[١٩٠]- وَإِلَيْهِ يَنْتَهِي "