أَخْلَصَ عِبَادَتَهُ لِلَّهِ، لَا يَعْبُدُ غَيْرَهُ وَلَا يَدِينُ لِشَيْءٍ سِوَاهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَرَجُلًا سَلَمًا﴾ [الزمر: ٢٩] فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ: (وَرَجُلًا سَالِمًا) وَتَأَوَّلُوهُ بِمَعْنَى: رَجُلًا خَالِصًا لِرَجُلٍ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، " أَنَّهُ قَرَأَهَا: «سَالِمًا لِرَجُلٍ» يَعْنِي بِالْأَلِفِ، وَقَالَ: «لَيْسَ فِيهِ لِأَحَدٍ شَيْءٌ» وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ﴾ [الزمر: ٢٩] بِمَعْنَى: صُلْحًا وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ السَّلَمَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: سَلِمَ فُلَانٌ لِلَّهِ سَلَمًا بِمَعْنَى: خَلَصَ لَهُ خُلُوصًا، تَقُولُ الْعَرَبُ: رَبِحَ فُلَانٌ فِي تِجَارَتِهِ رِبْحًا وَرَبَحًا، وَسَلِمَ سِلْمًا وَسَلَمًا وَسَلَامَةً، وَأَنَّ السَّالِمَ مِنْ صِفَةِ الرَّجُلِ، وَسَلَمٌ مَصْدَرٌ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الَّذِي تَوَهَّمَهُ مَنْ رَغِبَ مِنْ قِرَاءَةِ ذَلِكَ سَلَمًا مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ صُلْحًا، فَلَا وَجْهَ لِلصُّلْحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ صِفَةِ الْآخَرِ، إِنَّمَا تَقَدَّمَ بِالْخَبَرِ عَنِ اشْتِرَاكِ جَمَاعَةٍ فِيهِ دُونَ الْخَبَرِ عَنْ حَرْبِهِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عَنْ مُخَالَفَةٍ بِخُلُوصِهِ لِوَاحِدٍ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا مَوْضِعَ لِلْخَبَرِ عَنِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ