ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: ٣٣] قَالَ: " الَّذِينَ يَجِيئُونَ بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُمُونَا فَاتَّبَعْنَا مَا فِيهِ "
قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: ٣٣] قَالَ: " هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ يَجِيئُونَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُمُونَا، فَاتَّبَعْنَا مَا فِيهِ " وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: ٣٣] كُلَّ مَنْ دَعَا إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا ابْتَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ رُسُلِ اللَّهِ وَأَتْبَاعِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَأَنْ يُقَالَ: الصِّدْقُ هُوَ الْقُرْآنُ، وَشَهَادَةُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالْمُصدِّقُ بِهِ: الْمُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ، مِنْ جَمِيعِ خَلْقِ اللَّهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ وَأَتْبَاعِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: ٣٣] عُقَيْبَ قَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ﴾ [الزمر: ٣٢] وَذَلِكَ ذَمٍّ مِنَ اللَّهِ لِلْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ، الْمُكَذِّبِينَ بِتَنْزِيلِهِ وَوَحْيِهِ، الْجَاحِدِينَ وَحْدَانِيَّتَهُ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ عُقَيْبَ ذَلِكَ مَدْحُ مَنْ كَانَ بِخِلَافِ صِفَةِ هَؤُلَاءِ -[٢٠٧]- الْمَذْمُومِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَوَصَفِهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا، وَتَصدِيقِهِمْ بِتَنْزِيلِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ، وَالَّذِي كَانُوا يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، الْقَائِمُونَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَزَمَانٍ بِالدُّعَاءِ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَحُكْمِ كِتَابِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَخُصَّ وَصْفَهُ بِهَذِهِ لِصَفَةِ الَّتِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَشْخَاصٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَلَا عَلَى أَهْلِ زَمَانٍ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِصِفَةٍ، ثُمَّ مَدَحَهُمْ بِهَا، وَهِيَ الْمَجِيءُ بِالصِّدْقِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَصْفُهُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ هَذِهِ الْآيَةِ إِذَا كَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَالَّذِينَ جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ» فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَتِهِ أَنَّ الَّذِيَ مِنْ قَوْلِهِ ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ﴾ [الزمر: ٣٣] لَمْ يُعْنَ بِهَا وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ، وَأَنَّهُ مُرَادٌ بِهَا جِمَاعَ ذَلِكَ صِفَتَهُمْ، وَلَكِنَّهَا أُخْرِجَتْ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، إِذْ لَمْ تَكُنْ مُؤَقَّتَةً وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ، أَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جُعِلَ فِي مَعْنَى جَمَاعَةٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا أَيْضًا قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [الزمر: ٣٣] فَجَعَلَ الْخَبَرَ عَنِ الَّذِي جِمَاعًا، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى جِمَاعٍ وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: ٣٣] : غَيْرُ الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ فَقَوْلٌ بَعِيدٌ مِنَ الْمَفْهُومِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ التَّنْزِيلُ: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ، وَالَّذِي صَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ؛ فَكَانَتْ تَكُونُ الَّذِي مُكَرَّرَةً مَعَ التَّصْدِيقِ، لِيَكُونَ الْمُصَدِّقُ غَيْرَ -[٢٠٨]- الْمُصَدِّقِ؛ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُكَرِّرْ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْكَلَامِ، أَنَّ التَّصدِيقَ مِنْ صِفَةِ الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ؛ لَا وَجْهَ لِلْكَلَامِ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَتِ الَّذِي فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ بِمَا قَدْ بَيَّنَّا، كَانَ الصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِهِ مَا بَيَّنَّا