وَإِنَّمَا قُلْتُ: هَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ لِدُخُولِ «فِي» فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ مَنْ قَالَ: إِلَّا أَنْ تَوَدُّوا قَرَابَتِي، أَوْ تَقَرَّبُوا إِلَى اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ لِدُخُولِ «فِي» فِي الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَجْهٌ مَعْرُوفٌ، وَلَكَانَ التَّنْزِيلُ: إِلَّا مَوَدَّةَ الْقُرْبَى إِنْ عَنَى بِهِ الْأَمْرَ بِمَوَدَّةِ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ إِلَّا الْمَوَدَّةَ بِالْقُرْبَى، أَوْ ذَا الْقُرْبَى إِنْ عَنَى بِهِ التَّوَدُّدَ وَالتَّقَرُّبَ وَفِي دُخُولِ «فِي» فِي الْكَلَامِ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: إِلَّا مَوَدَّتِي فِي قَرَابَتِي مِنْكُمْ، وَأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ فِي الْمَوَدَّةِ أُدْخِلَتَا بَدَلًا مِنَ الْإِضَافَةِ، كَمَا قِيلَ: ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٤١] وَقَوْلُهُ: «إِلَّا» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اسْتِثَنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا، لَكِنِّي أَسْأَلُكُمُ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، فَالْمَوَدَّةُ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: هِيَ مَنْصُوبَةٌ بُمَضْمَرٍ مِنَ الْفِعْلِ، بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ أَذْكُرَ مَوَدَّةَ قَرَابَتِي
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ [الشورى: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَعْمَلْ حَسَنَةً، وَذَلِكَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يُطِيعُ اللَّهَ فِيهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ [الشورى: ٢٣] يَقُولُ: نُضَاعِفْ عَمَلَهُ ذَلِكَ الْحَسَنَ، فَنَجْعَلْ لَهُ مَكَانَ الْوَاحِدِ عَشْرًا إِلَى مَا شِئْنَا مِنَ الْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ -[٥٠٣]- وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.