لَكُمْ تَتَمَتَّعُونَ بِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَيْسَ مِنْ دَارِ الْآخِرَةِ، وَلَا مِمَّا يَنْفَعُكُمْ فِي مَعَادِكُمْ ﴿وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [القصص: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِي عِنْدَ اللَّهِ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، خَيْرٌ مِمَّا أُوتِيتُمُوهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَتَاعِهَا وَأَبْقَى، لِأَنَّ مَا أُوتِيتُمْ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ نَافِدٌ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ النَّعِيمِ فِي جِنَانِهِ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ بَاقٍ غَيْرَ نَافِدٍ ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المائدة: ٨٢] : يَقُولُ: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ، وَعَلَيْهِ يَتَوَكَّلُونَ فِي أُمُورِهِمْ، وَإِلَيْهِ يَقُومُونَ فِي أَسْبَابِهِمْ، وَبِهِ يَثِقُونَ، خَيْرٌ وَأَبْقَى مِمَّا أُوتِيتُمُوهُ مِنْ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [الشورى: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ﴾ [الشورى: ٣٧] وَكَبَائِرَ فَوَاحِشِ الْإِثْمِ، قَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهَا وَبَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِيهَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا ﴿وَالْفَوَاحِشَ﴾ [الشورى: ٣٧] قِيلَ: إِنَّهَا الزِّنَى
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ -[٥٢٢]-، ﴿وَالْفَوَاحِشَ﴾ [الشورى: ٣٧] قَالَ: " الْفَوَاحِشُ: الزِّنَى " وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿كَبَائِرَ الْإِثْمِ﴾ [الشورى: ٣٧] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْجِمَاعِ كَذَلِكَ فِي النَّجْمِ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (كَبِيرَ الْإِثْمِ) عَلَى التَّوْحِيدِ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، عَنَى بِكَبِيرِ الْإِثْمِ: الشِّرْكَ، كَمَا كَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: كَأَنِّي أَسْتَحِبُّ لِمَنْ قَرَأَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ أَنْ يَخْفِضَ الْفَوَاحِشِ، لِتَكُونَ الْكَبَائِرُ مُضَافَةً إِلَى مَجْمُوعٍ إِذْ كَانَتْ جَمْعًا، وَقَالَ: مَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنَ الْقُرَّاءِ خَفَضَ الْفَوَاحِشَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى تَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ


الصفحة التالية
Icon