اللَّهِ، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ؛ وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: ١٩٤] وَلِلَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ وَجْهٌ غَيْرَ أَنَّ الصَّوَابَ عِنْدَنَا: أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ عَلَى الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَنْقُلْهُ إِلَى الْبَاطِنِ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، وَأَنْ لَا يُحْكَمَ لِحُكْمٍ فِي آيَةٍ بِالنَّسْخِ إِلَّا بِخَبَرٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ أَوْ حُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، وَلَمْ تَثْبُتْ حُجَّةٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ الْمُشْرِكُونَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، فَنُسَلِّمُ لَهَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ٤٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَمَنْ عَفَا عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ إِسَاءَتَهُ إِلَيْهِ، فَغَفَرَهَا لَهُ، وَلَمْ يُعَاقِبْهُ بِهَا، وَهُوَ عَلَى عُقُوبَتِهِ عَلَيْهَا قَادِرٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، فَأَجْرُ عَفْوِهِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ مُثِيبُهُ عَلَيْهِ ثَوَابَهُ ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى: ٤٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ أَهْلَ الظُّلْمِ الَّذِينَ يَتَعَدَّوْنَ عَلَى النَّاسِ، فَيُسِيئُونَ إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ فِيهِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَنِ انْتَصَرَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ إِيَّاهُ ﴿فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤١] يَقُولُ: فَأُولَئِكَ الْمُنْتَصِرُونَ مِنْهُمْ لَا سَبِيلَ لِلْمُنْتَصِرِ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ بِعُقُوبَةٍ وَلَا أَذًى، لِأَنَّهُمُ انْتَصَرُوا مِنْهُمْ بِحَقٍّ، وَمَنْ أَخَذَ حَقَّهُ مِمَّنْ وَجَبَ ذَلِكَ لَهُ -[٥٢٧]- عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ، لَمْ يَظْلِمْ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ كُلَّ مُنْتَصِرٍ مِمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، مُسْلِمًا كَانَ الْمُسِيءُ أَوْ كَافِرًا