فَإِنَّ فَزَعَهُ مِنْهُمَا كَانَ لِدُخُولِهِمَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْبَابِ الَّذِي كَانَ الْمُدْخِلُ عَلَيْهِ، فَرَاعَهُ دُخُولُهُمَا كَذَلِكَ عَلَيْهِ وَقِيلَ: إِنَّ فَزَعَهُ كَانَ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَيْهِ لَيْلًا فِي غَيْرِ وَقْتِ نَظَرِهِ بَيْنَ النَّاسِ؛ قَالُوا: ﴿لَا تَخَفْ﴾ [هود: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ لَهُ الْخَصْمُ: لَا تَخَفْ يَا دَاوُدُ، وَذَلِكَ لَمَّا رَأَيَاهُ قَدِ ارْتَاعَ مِنْ دُخُولِهِمَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْبَابِ وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ظَهْرَ مِنَ الْكَلَامِ مِنْهُ، وَهُوَ مُرَافِعُ خَصْمَانِ، وَذَلِكَ نَحْنُ وَإِنَّمَا جَازَ تَرْكُ إِظْهَارِ ذَلِكَ مَعَ حَاجَةِ الْخَصْمَيْنِ إِلَى الْمُرَافِعِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ ﴿خَصْمَانِ﴾ [الحج: ١٩] فِعْلٌ لِلْمُتَكَلِّمِ، وَالْعَرَبُ تُضْمِرُ لِلْمُتَكَلِّمِ وَالْمُكَلَّمِ وَالْمُخَاطَبِ مَا يَرْفَعُ أَفْعَالَهُمَا، وَلَا يَكَادُونَ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِغَيْرِهِمَا، فَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ يُخَاطِبُونَهُ: أَمُنْطَلِقٌ يَا فُلَانُ، وَيَقُولُ الْمُتَكَلِّمُ لِصَاحِبِهِ: أَحْسِنُ إِلَيْكَ وَتُجْمِلُ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُكَلَّمِ، لِأَنَّهُمَا حَاضِرَانِ يَعْرِفُ السَّامِعُ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ إِذَا حُذِفَ الِاسْمُ، وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِفْهَامِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي غَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ، فَيُقَالُ: أُجَالِسٌ رَاكِبٌ؟ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ خَصْمَانِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]
وَقُولَا إِذَا جَاوَزْتُمَا أَرْضَ عَامِرٍ | وَجَاوَزْتُمَا الْحَيَّيْنِ نَهْدًا وَخَثْعَمَا |