وَتَشْدِيدِ الشِّينِ مِنْ نَشَّأْتُهُ فَهُوَ يُنَشَّأُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمُنَشَّأَ مِنَ الْإِنْشَاءِ نَاشِئٌ، وَالنَّاشِئُ مُنَشَّأُ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ «أَوْ مَنْ لَا يُنَشَّأُ إِلَّا فِي الْحِلْيَةِ»، وَفِي «مَنْ» وُجُوهٌ مِنَ الْإِعْرَابِ: الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَالنُّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ يَجْعَلُونَ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ يَجْعَلُونَ بَنَاتِ اللَّهِ وَقَدْ يَجُوزُ النَّصَبُ فِيهِ أَيْضًا عَلَى الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ، فَيَرُدُّ «مَنْ» عَلَى الْبَنَاتِ، وَالْخَفْضُ عَلَى الرَّدِّ عَلَى «مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا﴾ [الزخرف: ١٧]
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مَلَائِكَتَهُ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ «الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ» بِالنُّونِ، فَكَأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٦] فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: وَجَعَلُوا مَلَائِكَةَ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَهُ يُسَبِّحُونَهُ وَيُقَدِّسُونَهُ إِنَاثًا، فَقَالُوا: هُمْ بَنَاتُ اللَّهِ جَهْلًا