وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا إِذَا كُسِرَتْ أَلِفُهَا، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَهَا إِذَا كُسِرَتْ عَلَى أَنَّهَا الطَّرِيقَةُ وَأَنَّهَا مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَمَمْتُ الْقَوْمَ فَأَنَا أَؤُمُّهُمْ إِمَّةً وَذُكِرَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: مَا أَحْسَنَ عَمَّتَهُ وَإِمَّتُهُ وَجِلْسَتَهُ إِذَا كَانَ مَصْدَرًا وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ إِذَا كُسِرَتْ أَلِفُهَا إِلَى أَنَّهَا الْإِمَّةُ الَّتِي بِمَعْنَى النَّعِيمِ وَالْمُلْكِ، كَمَا قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
ثُمَّ بَعْدَ الْفَلَاحِ وَالْمُلْكِ وَالْإِمَّـ | ـةِ وَارَتْهُمْ هُنَاكَ الْقُبُورُ |
وَقَالَ: أَرَادَ إِمَامَةَ الْمُلْكِ وَنَعِيمَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْأُمَّةُ بِالضَّمِّ، وَالْإِمَّةُ بِالْكَسْرِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ الَّذِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهُ: الضَّمُّ فِي الْأَلِفِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الَّذِينَ كَسَرُوهَا فَإِنِّي لَا أَرَاهُمْ قَصَدُوا بِكَسْرِهَا إِلَّا مَعْنَى الطَّرِيقَةِ وَالْمِنْهَاجِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، لَا النِّعْمَةَ وَالْمُلْكَ، لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى نِعْمَةٍ وَنَحْنُ لَهُمْ مُتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا فِي الْمُلْكِ وَالنِّعْمَةِ، لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ فِي الْمُلْكِ لَيْسَ بِالْأَمْرِ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ أَرَادَهُ
وَقَوْلُهُ:
﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٢] يَقُولُ: وَإِنَّا عَلَى آثَارِ آبَائِنَا فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِمْ مُهْتَدُونَ، يَعْنِي: لَهُمْ مُتَّبِعُونَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ