حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ثَنِي قَالُ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ أَبِي قُسَيْطٍ، عَنْ بَعْجَةَ بْنِ زَيْدٍ الْجُهَنِيِّ، " أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ دَخَلَتْ عَلَى زَوْجِهَا، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَيْضًا، فَوَلَدَتْ لَهُ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُرْجَمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] وَقَالَ: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا عَبِدَ عُثْمَانُ أَنْ بَعَثَ إِلَيْهَا تُرَدَّ " قَالَ يُونُسُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: عَبِدَ: اسْتَنْكَفَ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى: ﴿إِنْ﴾ [الزخرف: ٨١] الشَّرْطُ الَّذِي يَقْتَضِي الْجَزَاءَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ السُّدِّيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ ﴿ «إِنْ» [البقرة: ٦] لَا تَعْدُو فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَحَدَ مَعْنَيَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ الَّذِي يَطْلُبُ الْجَزَاءَ، أَوْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْجَحْدِ، وَهَبْ إِذَا وَجَّهْتَ إِلَى الْجَحْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْكَلَامِ كَبِيرُ مَعْنًى، لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَعْنَى: قُلْ مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، وَإِذَا صَارَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْهَمَ -[٦٥٨]- أَهْلَ الْجَهْلِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ أَنَّهُ إِنَّمَا نَفَى بِذَلِكَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ قَبْلَ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ، ثُمَّ أُحْدِثَ لَهُ الْوَلَدُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لَقَدَرَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ أَنْ يَقُولُوا لَهُ صَدَقْتَ، وَهُوَ كَمَا قُلْتَ، وَنَحْنُ لَمْ نَزْعُمْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ لَهُ وَلَدٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، ثُمَّ خَلَقَ الْجِنَّ فَصَاهَرَهُمْ، فَحَدَثَ لَهُ مِنْهُمْ وَلَدٌ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِيَحْتَجَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مُكَذِّبِيهِ مِنَ الْحُجَّةِ بِمَا يَقْدِرُونَ عَلَى الطَّعْنِ فِيهِ، وَإِذْ كَانَ فِي تَوْجِيهِنَا «إِنْ» إِلَى مَعْنَى الْجَحْدِ مَا ذَكَرْنَا، فَالَّذِي هُوَ أَشْبَهُ الْمَعْنَيَيْنِ بِهَا الشَّرْطُ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبَيِّنَةٌ صِحَّةُ مَا نَقُولُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ الزَّاعِمِينَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ: إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ عَابِدِيهِ بِذَلِكَ مِنْكُمْ، وَلَكِنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ، فَأَنَا أَعْبُدُهُ بِأَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَامُ إِلَى مَا قُلْنَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ، وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْإِلْطَافِ مِنَ الْكَلَامِ وَحُسْنِ الْخَطَّابِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: ٢٤] وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ، وَأَنَّ مُخَالِفِيهِ فِي الضُّلَّالِ الْمُبِينِ


الصفحة التالية
Icon