وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَرَأَهُ «أَوْ أَثْرَةٍ» بِسُكُونِ الثَّاءِ، مِثْلَ الرَّجْفَةِ وَالْخَطْفَةِ، وَإِذَا وُجِّهَ ذَلِكَ إِلَى مَا قُلْنَا فِيهِ مِنْ أَنَّهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عِلْمٍ، جَازَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ مِنْ عِلْمِ الْخَطِّ، وَمِنْ عِلْمٍ اسْتُثِيرَ مِنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ، وَمِنْ خَاصَّةِ عِلْمٍ كَانُوا أُوثِرُوا بِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ بِأَنَّهُ تَأَوَّلَهُ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْخَطِّ، سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنِ: ائْتُونِي أَيُّهَا الْقَوْمُ بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْكِتَابِ، بِتَحْقِيقِ مَا سَأَلْتُكُمْ تَحْقِيقَهُ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَى دَعْوَاكُمْ مَا تَدْعُونَ لِآلِهَتِكُمْ، أَوْ بِبَقِيَّةٍ مِنْ عِلْمٍ يُوصَلُ بِهَا إِلَى عِلْمِ صِحَّةِ مَا تَقُولُونَ مِنْ ذَلِكَ ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] فِي دَعْوَاكُمْ لَهَا مَا تَدْعُونَ، فَإِنَّ الدَّعْوَى إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا حُجَّةٌ لَمْ تُغْنِ عَنِ الْمُدَّعِي شَيْئًا
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأحقاف: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَيُّ عَبْدٍ أَضَلُّ مِنْ عَبْدٍ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَا تَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: يَقُولُ: لَا تُجِيبُ دُعَاءَهُ أَبَدًا، لِأَنَّهَا حَجَرٌ أَوْ خَشَبٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَآلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي غَفْلَةٍ، لِأَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَلَا تَنْطِقُ، وَلَا تَعْقِلُ وَإِنَّمَا عَنَى بِوَصْفِهَا بِالْغَفْلَةِ، تَمْثِيلُهَا بِالْإِنْسَانِ السَّاهِي عَمَّا يُقَالُ لَهُ، إِذْ كَانَتْ لَا تَفْهَمُ مِمَّا يُقَالُ لَهَا شَيْئًا، كَمَا لَا يَفْهَمُ الْغَافِلُ عَنِ الشَّيْءِ مَا غَفَلَ عَنْهُ وَإِنَّمَا هَذَا تَوْبِيخٌ مِنَ اللَّهِ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لِسُوءِ رَأْيهِمْ، وَقُبْحِ اخْتِيَارِهِمْ فِي عِبَادَتِهِمْ مَنْ لَا يَعْقِلُ شَيْئًا وَلَا يَفْهَمُ،