ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾ [الأحقاف: ٩] فَقَالَ: " أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَمَعَاذَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ حِينَ أَخَذَ مِيثَاقَهُ فِي الرُّسُلِ، وَلَكِنْ قَالَ: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ فِي الدُّنْيَا، أُخْرَجُ كَمَا أُخْرِجَتِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي أَوْ أُقْتَلُ كَمَا قُتِلَتِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي، وَلَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ، أُمَّتِي الْمُكَذِّبَةُ، أَمْ أُمَّتِي الْمُصَدِّقَةُ، أَمْ أُمَّتِي الْمَرْمِيَّةُ بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ قَذْفًا، أَمْ مَخْسُوفٌ بِهَا خَسْفًا " ثُمَّ أُوحِيَ إِلَيْهِ: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] يَقُولُ: أَحَطْتُ لَكَ بِالْعَرَبِ أَنْ لَا يَقْتُلُوكَ، فَعَرَفَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح: ٢٨] يَقُولُ: أَشْهَدَ لَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ سَيُظْهِرُ دِينَكَ عَلَى الْأَدْيَانِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ فِي أُمَّتِهِ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ -[١٢٣]- اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ مَا يَصْنَعُ بِهِ وَمَا يَصْنَعُ بِأُمَّتِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْتَرَضُ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ، أَوْ يَنْزِلُ مِنْ حُكْمٍ، وَلَيْسَ يَعْنِي مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ غَدًا فِي الْمَعَادِ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ مَنْ أَطَاعَهُ، وَعِقَابِهِ مَنْ كَذَّبَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أَمَرَ أَنْ يَقُولَ هَذَا فِي أَمْرٍ كَانَ يَنْتَظِرُهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةَ وَأَشْبَهُهَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّنْزِيلُ، الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ لِأَنَّ الْخِطَابَ مِنْ مُبْتَدَإِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَالْخَبَرُ خَرَجَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خِطَابًا لِلْمُشْرِكِينَ وَخَبَرًا عَنْهُمْ، وَتَوْبِيخًا لَهُمْ، وَاحْتِجَاجًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَيْضًا سَبِيلُهَا سَبِيلُ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي أَنَّهَا احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ، وَتَوْبِيخٌ لَهُمْ، أَوْ خَبَرٌ عَنْهُمْ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمُحَالٌ أَنْ يُقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لِلْمُشْرِكِينَ مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَآيَاتُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَنْزِيلِهِ وَوَحْيِهِ إِلَيْهِ مُتَتَابِعَةٌ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ فِي النَّارِ مُخَلَّدُونَ، وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ فِي الْجِنَّانِ مُنَعَّمُونَ، وَبِذَلِكَ يُرَهِّبُهُمْ مَرَّةً، وَيُرَغِّبُهُمْ أُخْرَى، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ، لَقَالُوا لَهُ: فَعَلَامَ نَتَّبِعُكَ إِذَنْ وَأَنْتَ لَا تَدْرِي إِلَى أَيِّ حَالٍ تَصِيرُ غَدًا فِي الْقِيَامَةِ، إِلَى خَفْضٍ -[١٢٤]- وَدَعَةٍ، أَمْ إِلَى شِدَّةٍ وَعَذَابٍ؛ وَإِنَّمَا اتِّبَاعُنَا إِيَّاكَ إِنِ اتَّبَعْنَاكَ، وَتَصْدِيقُنَا بِمَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ، رَغْبَةً فِي نِعْمَةٍ، وَكَرَامَةٍ نُصِيبُهَا، أَوْ رَهْبَةً مِنْ عُقُوبَةٍ، وَعَذَابٍ نَهْرُبُ مِنْهُ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ، ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ فَاعِلٌ بِهِ، وَبِمَنْ كَذَّبَ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ