وَقَوْلُهُ: (وَالَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ: (وَالَّذِينَ قَاتَلُوا)، بِمَعْنَى: حَارَبُوا الْمُشْرِكِينَ، وَجَاهَدُوهُمْ، بِالْأَلْفِ؛ وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقْرَأُهُ (قُتِّلُوا) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ قَتَلَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بَعْضَهُمْ بَعْدَ بَعْضٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ الْفَاعِلُونَ وَذُكِرَ عَنِ الْجَحْدَرِيِّ عَاصِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهُ «وَالَّذِينَ قَتَلُوا» بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: وَالَّذِينَ قَتَلُوا الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يَقْرَأُهُ ﴿قُتِلُوا﴾ [آل عمران: ١٥٦] بِضَمِّ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ التَّاءِ بِمَعْنَى: وَالَّذِينَ قَتَلَهُمُ الْمُشْرِكُونِ، ثُمَّ أَسْقَطَ الْفَاعِلِينَ، فَجَعَلَهُمْ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُ ذَلِكَ بِهِمْ وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ (وَالَّذِينَ قَاتَلُوا) لِاتِّفَاقِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَإِنْ كَانَ لِجَمِيعِهَا وُجُوهٌ مَفْهُومَةٌ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى الْقِرَاءَاتِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَالَّذِينَ قَاتَلُوا مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَعْدَاءَ اللَّهِ مِنَ الْكُفَّارِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَفِي نُصْرَةِ مَا بَعَثَ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْهُدَى، فَجَاهَدُوهُمْ فِي ذَلِكَ ﴿فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٤] فَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا ضَلَالًا عَلَيْهِمْ كَمَا أَضَلَّ أَعْمَالَ الْكَافِرِينَ، وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عُنِيَ بِهَا أَهْلُ أُحُدٍ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ -[١٩١]- اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٤] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ يَوْمَ أُحُدٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ، وَقَدْ فَشَتْ فِيهِمُ الْجِرَاحَاتُ وَالْقَتْلُ، وَقَدْ نَادَى الْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ: أُعْلُ هُبَلُ، فَنَادَى الْمُسْلِمُونَ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، فَنَادَى الْمُشْرِكُونَ: يَوْمٌ بِيَوْمٍ، إِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ، إِنَّ لَنَا عُزَّى، وَلَا عُزَّى لَكُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ، إِنَّ الْقَتْلَى مُخْتَلِفَةٌ، أَمَّا قَتْلَانَا فَأَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ، وَأَمَّا قَتْلَاكُمْ فَفِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ»