حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ رَبَّكُمْ أَنْذَرَكُمْ ثَلَاثًا: الدُّخَانَ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَالزَّكْمَةِ، وَيَأْخُذُ الْكَافِرَ فَيَنْتَفِخُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ كُلِّ مَسْمَعٍ مِنْهُ، وَالثَّانِيَةُ الدَّابَّةُ، وَالثَّالِثَةُ الدَّجَّالُ " وَأُولَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّ الدُّخَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْتَقِبَهُ، هُوَ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ مِنَ الْجَهْدِ بِدُعَائِهِ عَلَيْهِمْ، عَلَى مَا وَصَفَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُ حُذَيْفَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا، فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَعَ قَوْلِهِ الَّذِي يَصِحُّ عَنْهُ قَوْلٌ، وَإِنَّمَا لَمْ أَشْهَدْ لَهُ بِالصِّحَّةِ، لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيَّ حَدَّثَنِي أَنَّهُ سَأَلَ رَوَّادًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، هَلْ سَمِعَهُ مِنْ سُفْيَانَ؟ فَقَالَ لَهُ: لَا، فَقُلْتُ لَهُ: فَقَرَأْتَهُ -[٢١]- عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ لَهُ: فَقُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنْتَ حَاضِرٌ فَأَقَرَّ بِهِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: فَمِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهِ؟ قَالَ: جَاءَنِي بِهِ قَوْمٌ فَعَرَضُوهُ عَلَيَّ وَقَالُوا لِي: اسْمَعْهُ مِنَّا فَقَرَأُوهُ عَلَيَّ، ثُمَّ ذَهَبُوا، فَحَدَّثُوا بِهِ عَنِّي، أَوْ كَمَا قَالَ؛ فَلَمَّا ذَكَرْتُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ أَشْهَدْ لَهُ بِالصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا قُلْتُ: الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَوَعَّدَ بِالدُّخَانِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَأَنَّ قَوْلَهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ [الدخان: ١٠] فِي سِيَاقِ خِطَابِ اللَّهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَتَقْرِيعِهِ إِيَّاهُمْ بِشِرْكِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾ [الدخان: ٩] ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ [الدخان: ١٠] أَمْرًا مِنْهُ لَهُ بِالصَّبِرِ إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُهُ وَتَهْدِيدًا لِلْمُشْرِكِينَ فَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ إِذْ كَانَ وَعِيدًا لَهُمْ قَدْ أَحَلَّهُ بِهِمْ أَشْبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَهُ عَنْهُمْ لِغَيْرِهِمْ، وَبَعْدُ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنْكَرٍ أَنْ يَكُونَ أَحَلَّ بِالْكُفَّارِ الَّذِينَ تَوَعَّدَهُمْ بِهَذَا الْوَعِيدِ مَا تَوَعَّدَهُمْ، وَيَكُونُ مُحِلًّا فِيمَا يُسْتَأْنَفُ بَعْدُ بِآخَرِينَ دُخَانًا عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَظَاهَرَتْ بِأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مَا رَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَكِلَا الْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ رُوِيَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا قُلْنَا، فَإِذْ كَانَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ، فَبَيِّنٌ أَنَّ مَعْنَاهُ: فَانْتَظِرْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ يَوْمَ تَأْتِيهِمُ السَّمَاءُ مِنَ الْبَلَاءِ الَّذِي يَحِلُّ بِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِمِثْلِ الدُّخَانِ الْمُبِينِ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ أَنَّهُ دُخَانٌ ﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾ [الدخان: ١١] يَقُولُ: يَغْشَى أَبْصَارَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ الَّذِي يُصِيبُهُمْ -[٢٢]- ﴿هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الدخان: ١١] يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مِمَّا نَالَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْكَرْبِ وَالْجَهْدِ: هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ وَهُوَ الْمُوجِعُ، وَتَرَكَ مِنَ الْكَلَامِ «يَقُولُونَ» اسْتِغْنَاءً بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ مَعْنَاهُ مِنْ ذِكْرِهَا


الصفحة التالية
Icon