وَقَوْلُهُ: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهَلْ يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ إِلَّا السَّاعَةَ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ خَلْقَهُ بَعَثَهُمْ فِيهَا مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءً، أَنْ تَجِيئَهُمْ فَجْأَةً لَا يَشْعُرُونَ بِمَجِيئِهَا وَالْمَعْنَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَ ﴿أَنْ﴾ [البقرة: ٢٥] مِنْ قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ، فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالرَّدِّ عَلَى السَّاعَةِ، وَعَلَى فَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ ﴿أَنْ تَأْتِيَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥٨] وَنَصْبِ ﴿تَأْتِيَهُمْ﴾ [الأنعام: ٤] بِهَا قِرَاءَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ
وَقَدْ: حُدِّثْتُ عَنِ الْفَرَّاءِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الرُّؤَاسِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ: " مَا هَذِهِ الْفَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: ١٨] " قَالَ: جَوَابُ الْجَزَاءِ، قَالَ: قُلْتُ: «إِنَّهَا إِنْ تَأْتِيهِمْ»، قَالَ: فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ، إِنَّمَا هِيَ «إِنْ تَأْتِهِمْ» قَالَ الْفَرَّاءُ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ أَخَذَهَا عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، لِأَنَّهُ قَرَأَ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهِيَ أَيْضًا فِي بَعْضِ مَصَاحِفِ الْكُوفِيِّينَ بِسِنَّةٍ وَاحِدَةٍ «تَأْتِهِمْ» وَلَمْ يَقْرَأْ بِهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِكَسْرِ أَلِفِ «إِنْ» وَجَزْمِ «تَأْتِهِمْ» فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ؟ فَيُجْعَلُ الْخَبَرُ عَنِ انْتِظَارِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ السَّاعَةَ مُتَنَاهِيًا عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا السَّاعَةَ﴾ [محمد: ١٨]، ثُمَّ يُبْتَدَأُ الْكَلَامُ فَيُقَالُ: إِنْ تَأْتِهِمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا، فَتَكُونُ الْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ جَاءَ﴾ [محمد: ١٨] بِجَوَابِ الْجَزَاءِ
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: ١٨] يَقُولُ: فَقَدْ جَاءَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ السَّاعَةُ -[٢٠٧]- وَأَدِلَّتُهَا وَمُقَدِّمَاتُهَا، وَوَاحِدُ الْأَشْرَاطِ: شَرْطٌ، كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
تَرَى شَرَطَ الْمِعْزَى مُهُورَ نِسَائِهِمْ | وَفِي شَرَطِ الْمِعْزَى لَهُنَّ مُهُورُ |
وَيُرْوَى:
«تَرَى قَزَمَ الْمِعْزَى»، يُقَالُ مِنْهُ: أَشْرَطَ فُلَانٌ نَفْسَهُ: إِذَا عَلَّمَهَا بِعَلَامَةٍ، كَمَا قَالَ أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ:
فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهُوَ مُعْصِمٌ | وَأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لَهُ وَتَوَكَّلَا |
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ