وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَغَانِمُ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا﴾ [الفتح: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَثَابَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، مَعَ مَا أَكْرَمَهُمْ بِهِ مِنْ رِضَاهُ عَنْهُمْ، وَإِنْزَالِهِ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَإِثَابَتِهِ إِيَّاهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا، مَعَهُ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَمْوَالِ يَهُودِ خَيْبَرَ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ ذَلِكَ خَاصَّةً لِأَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٥٨] يَقُولُ: وَكَانَ اللَّهُ ذَا عِزَّةٍ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنِ انْتَقَمَ مِنْ أَعْدَائِهِ، حَكِيمًا فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ وَتَصْرِيفِهِ إِيَّاهُمْ فِيمَا شَاءَ مِنْ قَضَائِهِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنَكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الفتح: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ﴾ [الفتح: ٢٠] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا﴾ [الفتح: ٢٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ الْمَغَانِمِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ وَعَدَهَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَيُّ الْمَغَانِمِ هِيَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ كُلُّ مَغْنَمٍ غَنَمِهَا اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ لَدُنْ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا﴾ [الفتح: ٢٠] قَالَ: " الْمَغَانِمُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي -[٢٨٠]- وُعِدُوا: مَا يَأْخُذُونَهَا إِلَى الْيَوْمِ " وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَحْتَمِلُ الْكَلَامُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِالْمَغَانِمِ الثَّانِيَةِ الْمَغَانِمُ الْأُولَى، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا، وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا، وَعَدَكُمُ اللَّهُ أَيُّهَا الْقَوْمُ هَذِهِ الْمَغَانِمَ الَّتِي تَأْخُذُونَهَا، وَأَنْتُمْ إِلَيْهَا وَاصِلُونَ عِدَةً، فَجَعَلَ لَكُمُ الْفَتْحَ الْقَرِيبَ مِنْ فَتْحِ خَيْبَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى، وَتَكُونُ الْأُولَى مِنْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ، وَالْغَنَائِمُ الثَّانِيَةُ الَّتِي وَعَدَهُمُوهَا مِنْ غَنَائِمِ سَائِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ سِوَاهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: هَذِهِ الْمَغَانِمُ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ هِيَ مَغَانِمُ خَيْبَرَ