ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ [الفتح: ٢١] «كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهَا مَكَّةُ»
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾ [الفتح: ٢١] قَالَ: «بَلَغَنَا أَنَّهَا مَكَّةُ» وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ أَشْبَهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، أَنَّهُ مُحِيطٌ بِقَرْيَةٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا، وَمَعْقُولٌ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِقَوْمٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ رَامُوهَا فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمْ، فَأَمَّا وَهُمْ لَمْ يَرُومُوهَا فَتَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ فَلَا يُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْصِدْ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَيْهِ خَيْبَرَ لِحَرْبٍ، وَلَا وَجَّهَ إِلَيْهَا لِقِتَالِ أَهْلِهَا جَيْشًا وَلَا سَرِيَّةً، عُلِمَ أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾ [الفتح: ٢١] غَيْرَهَا، وَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي قَدْ عَالَجَهَا وَرَامَهَا، فَتَعَذَّرَتْ فَكَانَتْ مَكَّةُ وَأَهْلُهَا كَذَلِكَ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ أَحَاطَ بِهَا وَبِأَهْلِهَا، وَأَنَّهُ فَاتِحُهَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ مَا يَشَاءُ مِنَ الْأَشْيَاءِ ذَا قُدْرَةٍ، لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ شَاءَهُ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ -[٢٨٧]- اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الفتح: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الفتح: ٢٢] بِاللَّهِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمَكَّةَ ﴿لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ﴾ [الفتح: ٢٢] يَقُولُ: لَانْهَزَمُوا عَنْكُمْ، فَوَلُّوكُمْ أَعْجَازَهُمْ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْمُنْهَزِمُ مِنْ قِرْنِهِ فِي الْحَرْبِ ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الفتح: ٢٢] يَقُولُ: ثُمَّ لَا يَجِدُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الْمُنْهَزِمُونَ عَنْكُمْ، الْمُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ، وَلِيًّا يُوَالِيهِمْ عَلَى حَرْبِكُمْ، وَلَا نَصِيرًا يَنْصُرُهُمْ عَلَيْكُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَعَكُمْ، وَلَنْ يُغْلَبَ حِزْبٌ اللَّهُ نَاصِرُهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ