وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَنْ تَجِدَ يَا مُحَمَّدُ لِسُنَّةِ اللَّهِ الَّتِي سَنَّهَا فِي خَلْقِهِ تَغْيِيرًا، بَلْ ذَلِكَ دَائِمٌ، لِلْإِحْسَانِ جَزَاؤُهُ مِنَ الْإِحْسَانِ، وَلِلْإِسَاءَةِ وَالْكُفْرِ الْعِقَابُ وَالنَّكَالُ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ [الفتح: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ كَفَّ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا خَرَجُوا عَلَى عَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْحُدَيْبِيَةِ يَلْتَمِسُونَ غِرَّتَهُمْ لِيُصِيبُوا مِنْهُمْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بِهِمْ أَسْرَى، فَخَلَّى عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَقْتُلْهُمْ فَقَالَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَنْكُمْ، وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ، مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتِ الْآثَارُ
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: ثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَعَلَى ظَهْرِهِ غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ فَرَفَعْتُهَا عَنْ ظَهْرِهِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ صَاحِبُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، فَأَمْسَكَ سُهَيْلٌ بِيَدِهِ، فَقَالَ: مَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، اكْتُبْ فِي قَضِيَّتِنَا مَا نَعْرِفُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ»، فَكَتَبَ، فَقَالَ: «هَذَا -[٢٨٩]- مَا صَالَحَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَهْلَ مَكَّةَ»، فَأَمْسَكَ سُهَيْلٌ بِيَدِهِ، فَقَالَ: لَقَدْ ظَلَمْنَاكَ إِنْ كُنْتَ رَسُولًا، اكْتُبْ فِي قَضِيَّتِنَا مَا نَعْرِفُ قَالَ: «اكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ»، فَخَرَجَ عَلَيْنَا ثَلَاثُونَ شَابًّا عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ، فَثَارُوا فِي وجُوهِنَا، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ اللَّهُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُمْنَا إِلَيْهِمْ فَأَخَذْنَاهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ خَرَجْتُمْ فِي أَمَانِ أَحَدٍ»، قَالَ: فَخَلَّى عَنْهُمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: ٢٤] " حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، وَكَانَ غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعْتُهُ عَنْ ظَهْرِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ