الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [الحجرات: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَكُفُّونَ رَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَصْلُ الْغَضِّ: الْكَفُّ فِي لِينٍ وَمِنْهُ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَهُوَ كَفُّهُ عَنِ النَّظَرِ، كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ | فَلَا كَعْبًا بَلَغَتْ وَلَا كِلَابًا |
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ [الحجرات: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، هُمُ الَّذِينَ اخْتَبَرَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِامْتِحَانِهِ إِيَّاهَا، فَاصْطَفَاهَا وَأَخْلَصَهَا لِلتَّقْوَى، يَعْنِي لِاتِّقَائِهِ بِأَدَاءِ طَاعَتِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، كَمَا يُمْتَحَنُ الذَّهَبُ بِالنَّارِ، فَيَخْلُصُ جَيِّدُهَا، وَيَبْطُلُ خَبَثُهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
الصفحة التالية