قَوْلُهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ﴾ [الدخان: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَعْطَيْنَاهُمْ مِنَ الْعِبَرِ وَالْعِظَاتِ مَا فِيهِ اخْتِبَارٌ يُبَيِّنُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ أَنَّهُ اخْتِبَارٌ اخْتَبَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: ابْتَلَاهُمْ بِنِعَمِهِ عِنْدَهُمْ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ﴾ [الدخان: ٣٣] «أَنْجَاهُمُ اللَّهُ مِنْ عَدُوِّهِمْ، ثُمَّ أَقْطَعَهُمُ الْبَحْرَ، وَظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ ابْتَلَاهُمْ بِالرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ﴾ [الدخان: ٣٣]، وَقَرَأَ ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥] وَقَالَ: «بَلَاءٌ مُبِينٌ لِمَنْ آمَنَ بِهَا وَكَفَرَ بِهَا، بَلْوَى نَبْتَلِيهِمْ بِهَا، نُمَحِّصُهُمْ، بَلْوَى اخْتِبَارٍ، نَخْتَبِرُهُمْ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، نَخْتَبِرُهُمْ لِنَنْظُرَ -[٤٨]- فِيمَا أَتَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهَا، وَيَنْتَفِعُ بِهَا وَيُضَيِّعُهَا» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ آتَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ ابْتِلَاؤُهُمْ وَاخْتِبَارُهُمْ، وَقَدْ يَكُونُ الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ بِالرَّخَاءِ، وَيَكُونُ بِالشِّدَّةِ، وَلَمْ يَضَعْ لَنَا دَلِيلًا مِنْ خَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ، أَنَّهُ عَنَى بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، وَقَدْ كَانَ اللَّهُ اخْتَبَرَهُمْ بِالْمَعْنَيَيْنِ كِلَيْهِمَا جَمِيعًا وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنَى اخْتِبَارَهُ إِيَّاهُمْ بِهِمَا، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ أَنْ نَقُولَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّهُ اخْتَبَرَهُمْ


الصفحة التالية
Icon