وَقَوْلُهُ: ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ﴾ [الجاثية: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَطَبَعَ عَلَى سَمْعِهِ أَنْ يَسْمَعَ مَوَاعِظَ اللَّهِ وَآيَ كِتَابِهِ، فَيَعْتَبِرَ بِهَا وَيَتَدَبَّرَهَا، وَيَتَفَكَّرَ فِيهَا، فَيَعْقِلَ مَا فِيهَا مِنَ النُّورِ وَالْبَيَانِ وَالْهُدَى وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] يَقُولُ: وَطَبَعَ أَيْضًا عَلَى قَلْبِهِ، فَلَا يَعْقِلُ بِهِ شَيْئًا، وَلَا يَعِي بِهِ حَقًّا
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ [الجاثية: ٢٣] يَقُولُ: وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً أَنْ يُبْصِرَ بِهِ حُجَجَ اللَّهِ، فَيَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَيَعْلَمُ بِهَا أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ [الجاثية: ٢٣] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ ﴿غِشَاوَةً﴾ [البقرة: ٧] بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَإِثْبَاتِ الْأَلْفِ فِيهَا عَلَى أَنَّهَا اسْمٌ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (غَشْوَةً) بِمَعْنَى: أَنَّهُ غَشَاهُ شَيْئًا فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، بِفَتْحِ الْغَيْنِ بِغَيْرِ أَلْفٍ، وَهُمَا عِنْدِي قِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ﴾ [الجاثية: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَنْ يُوَفِّقْهُ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ، وَإِبْصَارِ مَحَجَّةِ الرُّشْدِ بَعْدَ إِضْلَالِ اللَّهِ إِيَّاهُ ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [يونس: ٣] أَيُّهَا النَّاسُ، فَتَعْلَمُوا أَنَّ مَنْ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ مَا وَصَفْنَا، فَلَنْ يَهْتَدِيَ أَبَدًا، وَلَنْ يَجِدَ لِنَفْسِهِ وَلِيًّا مُرْشِدًا


الصفحة التالية
Icon