وَقَوْلُهُ: ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ [القمر: ٥] يَعْنِي بِالْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ: هَذَا الْقُرْآنَ، وَرُفِعَتِ الْحِكْمَةُ رَدًّا عَلَى «مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ [القمر: ٤] وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ النَّبَأُ الَّذِي فِيهِ مُزْدَجَرٌ، حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ وَلَوْ رُفِعَتِ الْحِكْمَةُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ كَانَ جَائِزًا، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ النَّبَأُ الَّذِي فِيهِ مُزْدَجَرٌ، ذَلِكَ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، أَوْ هُوَ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَتَكُونُ الْحِكْمَةُ كَالتَّفْسِيرِ لَهَا
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا تُغْنِي النُّذُرُ﴾ وَفِي «مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَا تُغْنِي النُّذُرُ﴾ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْجَحْدِ، فَيَكُونُ إِذَا وَجَّهْتَ إِلَى ذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَامِ، فَلَيْسَتْ تُغْنِي عَنْهُمُ النُّذُرُ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا، لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْهَا وَتَكْذِيبِهِمْ بِهَا وَالْآخَرُ: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى: أَنَّى، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا وَجَّهْتَ إِلَى ذَلِكَ: فَأَيُّ شَيْءٍ تُغْنِي عَنْهُمُ النُّذُرُ وَالنُّذُرُ: جَمْعُ نَذِيرٍ، كَالْجُدُدِ: جَمْعُ جَدِيدٍ، وَالْحُصُرُ: جَمْعُ حَصِيرٍ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ [القمر: ٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ [الصافات: ١٧٤] فَأَعْرِضْ يَا مُحَمَّدُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ، الَّذِينَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، فَإِنَّهُمْ يَوْمَ يَدْعُو دَاعِي اللَّهِ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ هُوَ