الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ﴾ [الحديد: ٣] قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ بِغَيْرِ حَدٍّ ﴿وَالْآخِرُ﴾ [الحديد: ٣] يَقُولُ: وَالْآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ بِغَيْرِ نِهَايَةٍ وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ كَانَ وَلَا شَيْءَ مَوْجُودٌ سِوَاهُ، وَهُوَ كَائِنٌ بَعْدَ فَنَاءِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨]
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالظَّاهِرُ﴾ [الحديد: ٣] يَقُولُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُ، وَهُوَ الْعَالِي فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، فَلَا شَيْءَ أَعْلَى مِنْهُ
﴿وَالْبَاطِنُ﴾ [الحديد: ٣] يَقُولُ: وَهُوَ الْبَاطِنُ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ، فَلَا شَيْءَ أَقْرَبُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ، كَمَا قَالَ: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: ١٦] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بِهِ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ فِيهِ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ [الحديد: ٣] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، إِذْ ثَارَ عَلَيْهِمْ سَحَابٌ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ -[٣٨٦]- قَالَ: «فَإِنَّهَا الرَّقِيعُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ» قَالَ: «فَهَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ؟ قَالَ: «مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ» قَالَ: «فَهَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ؟» فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: «فَوْقَهَا سَمَاءٌ أُخْرَى وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ» قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ؟» فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمُ الْأَوَّلِ قَالَ: «فَإِنَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشَ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءَيْنِ» قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّتِي تَحْتَكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «فَإِنَّهَا الْأَرْضُ» قَالَ: «فَهَلْ تَدْرُونَ مَا تَحْتَهَا؟» قَالُوا لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِمُ الْأَوَّلِ قَالَ: «فَإِنَّ تَحْتَهَا أَرْضًا أُخْرَى، وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ»، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِينَ، بَيْنَ كُلِّ أَرَضِينَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ دُلِّيَ أَحَدُكُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ الْأُخْرَى لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ»، ثُمَّ قَرَأَ ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣]


الصفحة التالية
Icon