حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ التَّمَّارِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ أَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ»، فَقُلْنَا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقُرَيْشٌ؟ قَالَ: «لَا، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا»، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، أَلَا إِنَّ الْإِيمَانَ يَمَانِ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ خَيْرٌ مِنَّا؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ لِأَحَدِكُمْ جَبَلُ ذَهَبٍ يُنْفِقُهُ مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِكُمْ وَلَا نَصِيفَهُ»، ثُمَّ جَمَعَ أَصَابِعَهُ، وَمَدَّ خِنْصَرَهُ وَقَالَ: " أَلَا إِنَّ هَذَا فَصْلُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [الحديد: ١٠] " وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ لِلَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ وَقَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ بِمَنْ أَنْفَقَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَاتَلَ وَتَرَكَ ذِكْرَ مَنْ أَنْفَقَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَاتَلَ اسْتِغْنَاءً بِدِلَالَةِ الْكَلَامِ الَّذِي ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ ﴿أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾ [الحديد: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ أَعْظَمُ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَقَاتَلُوا
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [النساء: ٩٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكُلَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ -[٣٩٦]- أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَالَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا، وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِإِنْفَاقِهِمْ فِي سَبِيلِهِ، وَقِتَالِهِمْ أَعْدَاءَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ