قِيلَ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ [المزمل: ١] يَعْنِي الْمُتَزَمِّلَ وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ (إِنَّ الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُصَدِّقَاتِ) بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِّ، بِمَعْنَى: إِنَّ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحٌ مَعْنَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فِمُصِيبٌ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْحَرْفَيْنِ: أَعْنِي فِي الصَّادِ وَالدَّالِ، أَنَّ الْمُتَصَدِّقِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ ﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [الحديد: ١٨] يَعْنِي بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ، وَفِيمَا أَمَرَ بِالنَّفَقَةِ فِيهِ، أَوْ فِيمَا نَدَبَ إِلَيْهِ ﴿يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: ١٨] يَقُولُ: يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُمْ قُرُوضَهُمُ الَّتِي أَقْرَضُوهَا إِيَّاهُ، فَيُوَفِّيهِمْ ثَوَابَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: ١٨] يَقُولُ: وَلَهُمْ ثَوَابٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى صِدْقِهِمْ، وَقُرُوضِهِمْ إِيَّاهُ كَرِيمٌ، وَذَلِكَ الْجَنَّةُ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [الحديد: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَإِرْسَالِهِ رُسُلَهُ، فَصَدَّقُوا الرُّسُلَ وَآمَنُوا بِمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الحديد: ١٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ مُنْفَصِلٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالْخَبَرُ عَنِ الَّذِينَ -[٤١٣]- آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، مُتَنَاهٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿الصِّدِّيقُونَ﴾ [الحديد: ١٩] وَالصِّدِّيقُونَ مَرْفُوعُونَ بِقَوْلِهِ: هُمْ، ثُمَّ ابْتُدِئَ الْخَبَرُ عَنِ الشُّهَدَاءِ فَقِيلَ: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ، وَالشُّهَدَاءُ فِي قَوْلِهِمْ مَرْفُوعُونَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ [الحديد: ١٩]