الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، الْبَاخِلِينَ بِمَا أُوتُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى اخْتِيَالِهِمْ بِهِ وَفَخْرِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، فَهُمْ يَبْخَلُونَ بِإِخْرَاجِ حَقِّ اللَّهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَيَشُحُّونَ بِهِ، وَهُمْ مَعَ بُخْلِهِمْ بِهِ أَيْضًا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يُدْبِرُ مُعْرِضًا عَنْ عِظَةِ اللَّهِ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يُدْبِرْ مُعْرِضًا عَنْ عِظَةِ اللَّهِ، تَارِكًا الْعَمَلَ بِمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِهِ، فَرَحًا بِمَا أُوتِيَ مِنَ الدُّنْيَا مُخْتَالًا بِهِ فَخُورًا بَخِيلًا، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ مَالِهِ وَنَفَقَتِهِ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ، الْحَمِيدَ إِلَى خَلْقِهِ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِ جَوَابِ قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ [النساء: ٣٧] فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْتَغْنَى بِالْأَخْبَارِ الَّتِي لِأَشْبَاهِهِمْ، وَلَهُمْ فِي الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ [الرعد: ٣١] وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَا الْمَوْضِعِ خَبَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنْزِلُ، هُوَ كَمَا أَنْزَلَ، أَوْ كَمَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: الْخَبَرُ قَدْ جَاءَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: ٢٤] عَطَفَ بِجَزَاءَيْنِ عَلَى جَزَاءٍ، وَجَعَلَ جَوَابَهُمَا وَاحِدًا، كَمَا تَقُولُ: إِنْ تَقُمْ وَإِنْ تُحْسِنْ آتِكَ، لَا أَنَّهُ حَذَفَ الْخَبَرَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: ٢٤] فَقَرَأَ ذَلِكَ