وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ سِوَى نَافِعٍ، وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوَفَةِ خَلَا عَاصِمٍ: (يَظَّاهَرُونَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ وَإِثْبَاتِ الْأَلِفِ، وَكَذَلِكَ قَرَءُوا الْأُخْرَى بِمَعْنَى: يَتَظَاهَرُونَ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الظَّاءِ فَصَارَتَا ظَاءً مُشَدَّدَةً. وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: «يَتَظَاهَرُونَ» وَذَلِكَ تَصْحِيحٌ لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَتَقْوِيَةٌ لَهَا؛ وَقَرَأَ ذَلِكَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَكَذَلِكَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا قَرَآهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ: (يَظَّهَّرُونَ). وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِمٌ: ﴿يُظَاهِرُونَ﴾ [المجادلة: ٣] بِتَخْفِيفِ الظَّاءِ وَضَمِّ الْيَاءِ وَإِثْبَاتِ الْأَلِفِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي. وَأَمَّا (يَظَّاهَرُونَ) فَهُوَ مِنْ تَظَاهَرَ، فَهُوَ يَتَظَاهَرُ. وَأَمَّا (يَظَّهَّرُونَ) فَهُوَ مِنْ تَظَهَّرَ فَهُوَ يَتَظَهَّرُ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الظَّاءِ فَقِيلَ: يَظَّهَّرُ. وَأَمَّا ﴿يُظَاهِرُونَ﴾ [المجادلة: ٢] فَهُوَ مِنْ ظَاهَرَ يُظَاهِرُ، فَبِأَيَّةِ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ قَرَأَ ذَلِكَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ [المجادلة: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا نِسَاؤُهُمُ اللَّائِي يُظَاهِرْنَ مِنْهُنَّ بِأُمَّهَاتِهِمْ، فَيَقُولُوا لَهُنَّ: أَنْتُنَّ عَلَيْنَا كَظَهْرِ أُمَّهَاتِنَا، بَلْ هُنَّ لَهُمْ حَلَالٌ.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾ [المجادلة: ٢] لَا اللَّائِي قَالُوا لَهُنَّ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا﴾ [المجادلة: ٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنَّ -[٤٥٨]- الرِّجَالَ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي لَا تُعْرَفُ صِحَّتَهُ؛ وَزُورًا: يَعْنِي كَذِبًا.