وَاخْتَلَفَتْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، وَفِي وَجْهِ نَصْبِ قَوْلِهِ: ﴿كَبُرَ مَقْتًا﴾ [غافر: ٣٥] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّ الْبَصْرَةِ: قَالَ: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [غافر: ٣٥] أَيْ: كَبُرَ مَقْتُكُمْ مَقْتًا. ثُمَّ قَالَ: ﴿أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٣] أَذَى قَوْلِكُمْ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّ الْكُوفَةِ: قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢] كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ لَأَتَيْنَاهُ، وَلَوْ ذَهَبَتْ فِيهِ أَنْفُسُنَا وَأَمْوَالُنَا؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ، نَزَلُوا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى شُجَّ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، فَقَالَ: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢] ثُمَّ قَالَ: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [غافر: ٣٥] كَبُرَ ذَلِكَ مَقْتًا. أَيْ: فَأَنْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، لِأَنَّ كَبُرَ كَقَوْلِهِ: بِئْسَ رَجُلًا أَخُوكَ
وَقَوْلُهُ: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [غافر: ٣٥] وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا، أُضْمِرَ فِي كَبُرَ اسْمٌ يَكُونُ مَرْفُوعًا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ ﴿مَقْتًا﴾ [فاطر: ٣٩] مَنْصُوبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: كَبُرَ قَوْلًا هَذَا الْقَوْلُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْقَائِلِينَ: لَوْ عَلِمْنَا أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ حَتَّى نَمُوتَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٠] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ﴾ [الصف: ٤]، يَعْنِي فِي طَرِيقِهِ وَدِينِهِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ ﴿صَفًّا﴾ [الكهف: ٤٨] يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ أَعْدَاءَ -[٦١١]- اللَّهِ مُصْطَفِّينَ.