الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: ١٠٤] بِوَصْفِهِمْ بِالْإِيمَانِ؟ فَإِنَّ الْجَوَابَ فِي ذَلِكَ نَظِيرُ جَوَابِنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ﴾ [النساء: ١٣٦] وَقَدْ مَضَى الْبَيَانُ عَنْ ذَلِكَ، فِي مَوْضِعِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ [الصف: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتُجَاهِدُونَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَطَرِيقِهِ الَّذِي شَرَعَهُ لَكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] يَقُولُ: إِيمَانُكُمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَجِهَادُكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ تَضْيِيعِ ذَلِكَ وَالتَّفْرِيطِ ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٨٤] مَضَارَّ الْأَشْيَاءِ وَمَنَافِعَهَا. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «آمِنُوا بِاللَّهِ» عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ، وَبُيِّنَتِ التِّجَارَةُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ﴾ [الصف: ١٠] وَفُسِّرَتْ بِقَوْلِهِ: ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [النساء: ٥٩] وَلَمْ يَقُلْ: أَنْ تُؤْمِنُوا، لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا فَسَّرَتِ الِاسْمَ بِفِعْلٍ تُثْبِتُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ أَحْيَانًا، وَتَطْرَحُهَا أَحْيَانًا، فَتَقُولُ لِلرَّجُلِ: هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ تَقُومُ بِنَا إِلَى فُلَانٍ فَنَعُودُهُ؟ هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ أَنْ تَقُومَ إِلَى فُلَانٍ فَنَعُودَهُ؟ بِأَنْ وَبِطَرْحِهَا. وَمِمَّا جَاءَ فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا قَوْلُهُ: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا﴾ [عبس: ٢٥] وَإِنَّا؛ فَالْفَتْحُ فِي أَنَّا لُغَةُ مَنْ أَدْخَلَ فِي يَقُومَ أَنْ مِنَ قَوْلِهِمْ: هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ أَنْ تَقُومَ، وَالْكَسْرُ فِيهَا لُغَةُ مَنْ يُلْقِي أَنْ مِنَ تَقُومُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةَ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ﴾ [النمل: ٥١] وَإِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ، عَلَى مَا بَيَّنَّا.
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا -[٦١٨]- هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ﴾ [الصف: ١٠] الْآيَةُ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ بَيَّنَهَا، وَدَلَّ عَلَيْهَا الْمُؤْمِنِينَ، لَتَلَهَّفَ عَلَيْهَا رِجَالٌ أَنْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَهَا، حَتَّى يَضِنُّوا بِهَا وَقَدْ دَلَّكُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَأَعْلَمَكُمْ إِيَّاهَا فَقَالَ: ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الصف: ١١]