طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف: ١٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِيمَا نَعَتَتْ بِهِ قَوْلُهُ: ﴿وَأُخْرَى﴾ [آل عمران: ١٣] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّ الْبَصْرَةِ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَتِجَارَةٍ أُخْرَى، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أُخْرَى فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الصف: ١٠] وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّ الْكُوفَةِ يَقُولُ: هِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ. أَيْ: وَلَكُمْ أُخْرَى فِي الْعَاجِلِ مَعَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [الصف: ١٣] مُفَسِّرًا لِلْأُخْرَى. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي الْقَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ: وَلَكُمْ أُخْرَى تُحِبُّونَهَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ [الصف: ١٣] مُبَيِّنٌ عَنْ أَنَّ قَوْلَهُ ﴿وَأُخْرَى﴾ [آل عمران: ١٣] فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَلَوْ كَانَ جَاءَ ذَلِكَ خَفْضًا حَسُنَ أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ وَأُخْرَى عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿تِجَارَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ لَوْ قُرِئَ ذَلِكَ خَفْضًا، وَعَلَى خَلَّةٍ أُخْرَى تُحِبُّونَهَا، فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْتُ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، وَلَكُمْ خَلَّةٌ أُخْرَى سِوَى ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تُحِبُّونَهَا: ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [الصف: ١٣] لَكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، ﴿وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ [الصف: ١٣] يُعَجِّلُهُ لَكُمْ.
﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَفَتْحٍ عَاجِلٍ لَهُمْ.
وَقَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ﴾ [الصف: ١٤] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: كُونُوا أَنْصَارًا لِلَّهِ بِتَنْوِينِ الْأَنْصَارِ. وَقَرَأَ -[٦٢٠]- ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِإِضَافَةِ الْأَنْصَارِ إِلَى اللَّهِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ [الصف: ١٤] يَعْنِي مَنْ أَنْصَارِي مِنْكُمْ إِلَى نُصْرَةِ اللَّهِ لِي.