الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجمعة: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْيَهُودِ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَتَكْرَهُونَهُ، وَتَأْبَوْنَ أَنْ تَتَمَنَّوْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ وَنَازِلٌ بِكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ثُمَّ يَرُدُّكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، عَالِمِ غَيْبِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ وَالشَّهَادَةِ: يَعْنِي وَمَا شُهِدَ فَظَهَرَ لَرَأْيِ الْعَيْنِ، وَلَمْ يَغِبْ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرِينَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ: ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الجمعة: ٨] فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَذَلَّ ابْنَ آدَمَ بِالْمَوْتِ. لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَفَعَهُ
﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ١٠٥] يَقُولُ: فَيُخَبِّرُكُمْ حِينَئِذٍ مَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَعْمَلُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ، سَيِّئِهَا وَحَسَنِهَا، لِأَنَّهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِهَا، ثُمَّ يُجَازِيكُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ -[٦٣٧]- الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَالِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ عِبَادِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ﴾ [الجمعة: ٩] وَذَلِكَ هُوَ النِّدَاءُ، يُنَادَى بِالدُّعَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ قُعُودِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِلْخُطْبَةِ؛ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ٩] يَقُولُ: فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَاعْمَلُوا لَهُ؛ وَأَصْلُ السَّعْيِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْعَمَلُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الشَّوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.