الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: ٨]. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ قَبْلُ ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] فِيهَا، وَيَعْنِي بِالْأَعَزِّ: الْأَشَدَّ وَالْأَقْوَى، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ﴾ [المنافقون: ٨] يَعْنِي: الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ ﴿وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨] بِاللَّهِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ. وَذُكِرَ أَنَّ سَبَبَ قِيلِ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا زَمْعَةُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا أَكْثَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَثُرُوا فَخَرَجُوا فِي غَزْوَةٍ لَهُمْ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ -[٦٦٢]- الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَكَانَ بَيْنَهُمَا قِتَالٌ إِلَى أَنْ صَرَخَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَصَرَخَ الْمُهَاجِرُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؛ قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا لَكُمْ وِلِدَعْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ؟» فَقَالُوا: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي فَأَقْتُلَهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»