الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ [الحاقة: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَالَّذِي وَصَفْتُ أَمْرَهُ، وَهُوَ الَّذِي أُوتِي كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فِي عِيشَةٍ مَرْضِيَّةٍ، أَوْ عِيشَةٍ فِيهَا الرِّضَا، فَوُصِفَتِ الْعِيشَةُ بِالرِّضَا وَهِيَ مَرْضِيَّةٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَدْحٌ لِلْعِيشَةِ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ فَتَقُولُ: هَذَا لَيْلٌ نَائِمٌ، وَسِرٌّ كَاتِمٌ، وَمَاءٌ دَافِقٌ، فَيُوَجِّهُونَ الْفِعْلَ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَفْعُولٌ لِمَا يُرَادُ مِنَ الْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِلضَّارِبِ مَضْرُوبٌ، وَلَا لِلْمَضْرُوبِ ضَارِبٌ، لِأَنَّهُ لَا مَدْحَ فِيهِ وَلَا ذَمٌّ.
وَقَوْلُهُ: ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢٢] يَقُولُ: فِي بُسْتَانٍ عَالٍ رَفِيعٍ، وَفِي مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فِي جَنَّةٍ﴾ [الحاقة: ٢٢] مِنْ صِلَةِ عِيشَةٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ٢٣] يَقُولُ: مَا يُقْطَفُ مِنَ الْجَنَّةِ مِنْ ثِمَارِهَا دَانٍ قَرِيبٌ مِنْ قَاطِفِهِ. وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِيَ يُرِيدُ ثَمَرَهَا يَتَنَاوَلُهُ كَيْفَ شَاءَ قَائِمًا وَقَاعِدًا، لَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ بُعْدٌ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَوْكٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، -[٢٣٤]- قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ٢٣] قَالَ: يَتَنَاوَلُ الرَّجُلُ مِنْ فَوَاكِهِهَا وَهُوَ نَائِمٌ


الصفحة التالية
Icon