لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: ٣٥]. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَشْبَهُهَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ [المعارج: ١١] تَلَا قَوْلَهُ: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ [المعارج: ١٠] فَلَأَنْ تَكُونَ الْهَاءُ وَالْمِيمُ مِنْ ذِكْرِهِمْ أَشْبَهَ مِنْهَا بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ غَيْرِهِمْ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَسْأَلُ﴾ [القصص: ٧٨] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ وَشَيْبَةَ بِفَتْحِ الْيَاءِ؛ وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ: (وَلَا يُسْأَلُ) بِضَمِّ الْيَاءِ، يَعْنِي: لَا يُقَالُ لِحَمِيمٍ أَيْنَ حَمِيمُكَ؟ وَلَا يَطْلُبُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا فَتْحُ الْيَاءِ، بِمَعْنَى: لَا يَسْأَلُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنْ شَأْنِهِ، لِصِحَّةِ مَعْنَى ذَلِكَ، وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمَئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ﴾ [المعارج: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَوَدُّ الْكَافِرُ يَوْمَئِذٍ وَيَتَمَنَّى أَنَّهُ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِيَّاهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ، وَهُمْ عَشِيرَتُهُ الَّتِي تُؤْوِيهِ، يَعْنِي الَّتِي تَضُمُّهُ إِلَى رَحْلِهِ، وَتَنْزِلُ فِيهِ امْرَأَتُهُ، لِقُرْبَةٍ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، وَبِمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنَ الْخَلْقِ، ثُمَّ يُنْجِيهِ ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِيَّاهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَبَدَأَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذِكْرِ الْبَنِينَ، ثُمَّ الصَّاحِبَةِ، ثُمَّ الْأَخِ، إِعْلَامًا مِنْهُ عِبَادَهُ أَنَّ الْكَافِرَ مِنْ عَظِيمِ مَا يَنْزِلُ بِهِ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْبَلَاءِ يَفْتَدِي نَفْسَهُ، لَوْ وَجَدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا بِأَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ،