وَقَدْ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾ [نوح: ٣] قَالَ: أَرْسَلَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ بِأَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ، وَأَنْ تُتَّقَى مَحَارِمُهُ، وَأَنْ يُطَاعَ أَمْرُهُ
وَقَوْلُهُ: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [الأحقاف: ٣١] يَقُولُ: يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَلَيْسَتْ مِنْ دَالَّةٌ عَلَى الْبَعْضِ؟ قِيلَ: إِنَّ لَهَا مَعْنَيَيْنِ وَمَوْضِعَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُ الْمَوْضِعَيْنِ فَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا يَصِحُّ فِيهِ غَيْرُهَا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ تَدُلَّ إِلَّا عَلَى الْبَعْضِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِكَ: اشْتَرَيْتُ مِنْ مَمَالِيكِكَ، فَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ غَيْرُهَا، وَمَعْنَاهَا: الْبَعْضُ، اشْتَرَيْتُ بَعْضَ مَمَالِيكِكَ، وَمِنْ مَمَالِيكِكَ مَمْلُوكًا. وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ: هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ فِيهِ مَكَانَهَا عَنْ، فَإِذَا صَلَحَتْ مَكَانَهَا عَنْ دَلَّتْ عَلَى الْجَمِيعِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِكَ: وَجِعَ بَطْنِي مِنْ طَعَامٍ طَعِمْتُهُ، فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَوْجَعَ بَطْنِي طَعَامٌ طَعِمْتُهُ، وَتَصْلُحُ مَكَانَ مِنْ عَنْ، وَذَلِكَ أَنَّكَ تَضَعُ مَوْضِعَهَا عَنْ فَيَصْلُحُ الْكَلَامُ فَتَقُولُ: وُجِعَ بَطْنِي عَنْ طَعَامٍ طَعِمْتُهُ، وَمِنْ طَعَامٍ طَعِمْتُهُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [الصف: ١٢] إِنَّمَا هُوَ: وَيَصْفَحُ لَكُمْ، وَيَعْفُو لَكُمْ عَنْهَا؛ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا يَغْفِرُ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ مَا قَدْ وَعَدَكُمُ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ. فَأَمَّا مَا لَمْ يَعِدْكُمُ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ


الصفحة التالية
Icon