﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ﴾ [الأحقاف: ٢٩] لَمْ تُحْرَسِ السَّمَاءُ فِي الْفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ؛ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُرِسَتِ السَّمَاءُ الدُّنْيَا، وَرُمِيَتِ الشَّيَاطِينُ بِالشُّهُبِ، فَقَالَ إِبْلِيسُ: لَقَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ حَدَثٌ، فَأَمَرَ الْجِنَّ فَتَفَرَّقَتْ فِي الْأَرْضِ لِتَأْتِيَهُ بِخَبَرِ مَا حَدَثَ. وَكَانَ أَوَّلُ مِنِ بُعِثَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ وَهِيَ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ، وَهُمْ أَشْرَافُ الْجِنِّ، وَسَادَتُهُمْ، فَبَعَثَهُمْ إِلَى تِهَامَةَ وَمَا يَلِي الْيَمَنَ، فَمَضَى أُولَئِكَ النَّفَرُ، فَأَتَوْا عَلَى الْوَادِي وَادِي نَخْلَةَ، وَهُوَ مِنَ الْوَادِي مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ، فَوَجَدُوا بِهِ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْغَدَاةِ فَسَمِعُوهُ يَتْلُو الْقُرْآنَ؛ فَلَمَّا حَضَرُوهُ، قَالُوا: أَنْصِتُوا، فَلَمَّا قُضِيَ، يَعْنِي فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، يَعْنِي مُؤْمِنِينَ، لَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ صُرِفَ إِلَيْهِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ١]
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: ﴿فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن: ٢] وَآمَنَّا بِأَنَّهُ تَعَالَى أَمْرُ رَبِّنَا وَسُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] يَقُولُ: فِعْلُهُ وَأَمْرُهُ وَقُدْرَتُهُ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ -[٣١٣]- أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] يَقُولُ: تَعَالَى أَمْرُ رَبِّنَا