حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: غِنَى رَبِّنَا
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ أَحَدُهُمَا: غِنَاهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: عَظَمَتُهُ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْجَدُّ الَّذِي هُوَ أَبُو الْأَبِ، قَالُوا: ذَلِكَ كَانَ مِنْ كَلَامِ جَهَلَةِ الْجِنِّ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثني أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَارَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: كَانَ كَلَامًا مِنْ جَهَلَةِ الْجِنِّ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: ذِكْرُهُ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ [الجن: ٣] قَالَ: ذِكْرُهُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: تَعَالَتْ عَظَمَةُ رَبِّنَا وَقُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ. -[٣١٦]- وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِأَنَّ لِلْجَدِّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْجَدُّ الَّذِي هُوَ أَبُو الْأَبِ، أَوْ أَبُو الْأُمِّ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُوصَفَ بِهِ هَؤُلَاءِ النَّفْرُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الصَّفَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا: فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِأَنَّ لَهُ وَلَدًا أَوْ جَدًّا أَوْ هُوَ أَبُو أَبٍ أَوْ أَبُو أُمٍّ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَالْمَعْنَى الْآخَرُ: الْجَدُّ الَّذِي بِمَعْنَى الْحَظِّ؛ يُقَالُ: فُلَانٌ ذُو جَدٍّ فِي هَذَا الْأَمْرِ: إِذَا كَانَ لَهُ حَظٌّ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: الْبَخْتُ، وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ بِقِيلِهِمْ: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَإِنَّمَا عَنَوْا أَنَّ حَظْوَتَهُ مِنَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعَظَمَةِ عَالِيَةٌ، فَلَا يَكُونُ لَهُ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، لِأَنَّ الصَّاحِبَةَ إِنَّمَا تَكُونُ لِلضَّعِيفِ الْعَاجِزِ الَّذِي تَضْطَرُّهُ الشَّهْوَةُ الْبَاعِثَةُ إِلَى اتِّخَاذِهَا، وَأَنَّ الْوَلَدَ إِنَّمَا يَكُونُ عَنْ شَهْوَةٍ أَزْعَجَتْهُ إِلَى الْوِقَاعِ الَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُ الْوَلَدُ، فَقَالَ النَّفْرُ مِنَ الْجِنِّ: عَلَا مُلْكُ رَبِّنَا وَسُلْطَانُهُ وَقُدْرَتُهُ وَعَظَمَتُهُ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا ضَعْفَ خَلْقِهِ الَّذِينَ تَضْطَرُّهُمُ الشَّهْوَةُ إِلَى اتِّخَاذِ صَاحِبَةٍ، أَوْ وِقَاعِ شَيْءٍ يَكُونُ مِنْهُ وَلَدٌ. وَقَدْ بَيَّنَ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ إِخْبَارُ اللَّهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا نَزَّهُوا اللَّهَ عَنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ -[٣١٧]- بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ [الجن: ٣] يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ جَدِّيٌّ وَجَدِيدٌ وَمَجْدُودٌ: أَيْ ذُو حَظٍّ فِيمَا هُوَ فِيهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ:
[البحر البسيط]
اغْزُوا بَنِي ثُعَلٍ فَالْغَزْوُ جَدُّكُمْ | عُدُّوا الرَّوَابِي وَلَا تَبْكُوا لِمَنْ قُتِلَا |
[البحر المتقارب]
يُرَفَّعُ جَدُّكَ إِنِّي امْرُؤٌ | سَقَتْنِي إِلَيْكَ الْأَعَادِي سِجَالَا |