نَصَبَهَا، أَعْنِي الْعَيْنَ عَنِ الْحَالِ، وَجَعَلَ خَبَرَ كَانَ قَوْلَهُ ﴿كَافُورًا﴾ [الإنسان: ٥] وَقَدْ يَجُوزُ نَصْبُ الْعَيْنُ مِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ، وَهُوَ نَصْبُهَا بِإِعْمَالِ يَشْرَبُونَ فِيهَا فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ، مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا. وَقَدْ يَجُوزُ أَيْضًا نَصْبُهَا عَلَى الْمَدْحِ. فَأَمَّا عَامَّةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْكَافُورُ صِفَةٌ لِلشَّرَابِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ [الإنسان: ٥] قَالَ: تُمْزَجُ
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ [الإنسان: ٥] قَالَ: قَوْمٌ تُمْزَجُ لَهُمْ بِالْكَافُورِ، وَتُخْتَمُ لَهُمْ بِالْمِسْكِ
وَقَوْلُهُ: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَانَ مِزَاجُ الْكَأْسِ الَّتِي يَشْرَبُ بِهَا هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارِ كَالْكَافُورِ فِي طِيبِ رَائِحَتِهِ مِنْ عَيْنٍ يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ الَّذِينَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ. وَالْعَيْنُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي مِزَاجِهَا وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان: ٦] يُرْوَى بِهَا وَيَنْتَفِعُ. وَقِيلَ: يُشْرَبُ بِهَا وَيَشْرَبُهَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ. وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَنْشَدَهُ:
[البحر الطويل]

-[٥٤٠]- شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ
وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: مَتَى لُجَجٍ مِنْ، وَمِثْلُهُ: إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ حَسَنٍ، وَيَتَكَلَّمُ كَلَامًا حَسَنًا.


الصفحة التالية
Icon