الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿الْخُنَّسِ الْجِوَارِ الْكُنَّسِ﴾ يَعْنِي الظِّبَاءَ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَقْسَمَ بِأَشْيَاءَ تَخْنِسُ أَحْيَانًا: أَيْ تَغِيبُ، وَتَجْرِي أَحْيَانًا وَتَكْنِسُ أُخْرَى، وَكُنُوسُهَا: أَنْ تَأْوِيَ فِي مَكَانِسِهَا، وَالْمَكَانِسُ عِنْدَ الْعَرَبِ، هِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا بَقَرُ الْوَحْشِ وَالظِّبَاءِ، وَاحِدُهَا مَكْنِسٌ وَكِنَاسٌ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
[البحر الطويل]

فَلَمَّا لَحِقْنَا الْحَيَّ أَتْلَعَ أُنَّسٌ كَمَا أَتْلَعَتْ تَحْتَ الْمَكَانِسِ رَبْرَبُ
فَهَذِهِ جَمْعُ مَكْنِسٍ، وَكَمَا قَالَ فِي الْكِنَاسِ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ:
[البحر الطويل]
كَأَنَّ كِنَاسَيْ ضَالَّةٍ يَكْنُفَانِهَا وَأُطْرَ قِسٍيٍّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَيَّدِ
وَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْكِنَاسَ قَدْ يَكُونُ لِلظِّبَاءِ، فَقَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ:
[البحر الطويل]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مُزْنَةً وَعُفْرُ الظِّبَاءِ فِي الْكِنَاسِ تَقَمَّعُ
فَالْكِنَاسُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا وَصَفْتُ، وَغَيْرُ مُنْكَرٍ أَنْ يُسْتَعَارَ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَكُونُ بِهَا النُّجُومُ مِنَ السَّمَاءِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ النُّجُومُ دُونَ الْبَقَرِ، وَلَا الْبَقَرُ دُونَ الظِّبَاءِ، فَالصَّوَابُ أَنْ يَعُمَّ بِذَلِكَ كُلَّ مَا كَانَتْ صِفَتُهُ الْخُنُوسَ أَحْيَانًا، وَالْجَرْيَ أُخْرَى، وَالْكُنُوسُ بِآنَاتٍ عَلَى مَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ صِفَتِهَا


الصفحة التالية
Icon